مع نهاية العام الحالي سيسدل الستار علي فشل المهمة المستحيلة التي كانت قد أوكلت لكارين هيوز وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية العامة لتلميع وجه أمريكا في العالمين العربي والإسلامي وذلك بعد أن قدمت كارين استقالتها في 31 أكتوبر الماضي. مسكينة كارين هيوز فرغم انها إحدي أكثر الشخصيات التصاقا ببوش إلا انها اضطرت إلي أن تنسحب من المهمة التي أنيطت بها منذ مارس 2005. ولا غرابة فتلميع صورة أمريكا متعذر ومستحيل نظرا لأنها غاية في السوء والسوداوية، وعليه كانت استقالة هيوز أكبر دليل علي فشل الدبلوماسية العامة لأمريكا. إفلاس السياسة الأمريكية إعلان هيوز إفلاسها في تحسين صورة أمريكا كان يعني ضمنا إفلاس السياسة الأمريكية نفسها وهي السياسة التي اعتمدت الإرهاب منهجا ومضت تعربد في المنطقة تقتل وتعذب وتدمر وتغزو وتستخدم أسلحة الدمار الشامل وتعتمد علي التطهير العرقي وترسيخ الطائفية الاثنية العرقية وتعمل علي تقسيم وشرذمة دول المنطقة وبالتالي ما كان يمكن لمثل هذه السياسة أن تثمر نتاجا إيجابيا مشرفا، فدولة بهذا الكم من الجرائم وهذا القدر من القبح والشيطنة لا يمكن بأي حال أن تتحسن صورتها لدي ضحاياها في المنطقة. سياسة شيطانية لقد تجاوزت أمريكا كل الأعراف والقوانين والقيم والشرائع والسنن الأخلاقية ومضت في موجة عبث وتنطع تستأصل كل ما تريد استئصاله. مارست الهيمنة والإبادة في غيبة من ضمير المجتمع الدولي الذي وظفت منظماته الدولية لصالحها. أمريكا في ظل إدارة بوش خالفت عن عمد دستورها والتراث الذي طالما روجت له دعائيا في مزايداتها الكلامية عن الديمقراطية ودعم الحرية وحماية حقوق الإنسان ومحاربة الفساد ونصرة الضعيف. أمريكا اليوم حولت نفسها من دولة إلي امبراطورية أرادت من العالم كله أن يدين لها بالولاء ويذعن لإملاءاتها. ولا عجب أن سياستها الخربة الشيطانية قد أساءت إلي سمعتها واسقطت مصداقيتها وأشاعت كراهيتها في دول كثيرة من العالم الثالث فلم يقتصر الأمر علي الدول الإسلامية والعربية بل تعداه ليشمل دول أمريكا اللاتينية ودولا أوروبية شهدت مظاهرات مناهضة لسياسة أمريكا العقيمة التي لم تجر علي العالم إلا الويلات ولم تخلف علي الأرض إلا الكوارث. وعد بوش سجل إدارة بوش سجل حافل بالخزي والعار. غزت العراق دون مبرر وأبادت نحو مليون ونصف المليون عراقي ودمرت البنية التحتية للدولة وسلبت ثرواتها وتراثها. فعلت الشيء نفسه في أفغانستان. دعمت الأنظمة القمعية الاستبدادية مقابل دعم هذه الأنظمة لأمريكا ولسياساتها وتنفيذ نزواتها. انحازت إلي إسرائيل كلية وباركت ممارساتها العدوانية النازية وساندت حربها التطهيرية العرقية ضد الفلسطينيين. واعطي بوش لها صكا يفوضها الإطاحة بقرارات الشرعية الدولية ويسقط عنها تنفيذ التزاماتها بالنسبة للانسحاب من الأرض العربية المحتلة ووقف الاستيطان ومصادرة الأراضي. نعم لن ينسي أحد لبوش أنه هو الذي منح إسرائيل وعداً بذلك تمثل في رسالة الضمانات التي وهبها لشارون في 14 ابريل 2004 والتي أقر خلالها بيهودية الدولة وبعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي إسرائيل وبحق إسرائيل في القدس. مستنقع الدماء باركت أمريكا حصاراً تجويعياً بشعاً وضارياً فرضته إسرائيل علي قطاع غزة وهو الحصار الذي أوصل مليونا ونصف المليون فلسطيني إلي وضع إنساني كارثي طال المستشفيات ونشر الأوبئة ودمر الاقتصاد. ناهيك عن مسلسل الاغتيالات اليومية والاجتياحات وقصف المنازل. أمريكا الغارقة في مستنقع الدماء والتعذيب والنفاق والازدواجية والكذب وانتهاك حقوق الإنسان لا يمكن لعاقل أن يصدق بإمكانية تحسين صورتها في العالم، وكيف وقد امتد أذاها إلي شعوب دول كثيرة فيه وتكفي ويلات الإبادة والقهر والإذلال التي أنزلتها بالكثيرين. مهمة مستحيلة كان كل هذا بمثابة مسوغ واضح ل "هيوز" كي تسارع وتقدم استقالتها من المنصب الشرفي الذي أسند لها في يوم من الأيام علي أمل تحسين صورة الشيطان، وهو مسوغ يحمل في طياته رؤية استشرافية لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في أمريكا مستقبلا. ولعل كارين هيوز أرادت القفز من السفينة الغارقة قبل أن تطالها أمواج عربدة أمريكية جديدة في إيران. لقد أدركت هيوز تعذر قيامها بمهمة مستحيلة أطلقوا عليها تحسين سمعة أمريكا أو تجميل وجهها القبيح. وغاب عنهم أن مهمة تحسين وجه أمريكا تتناقض مع رؤي إدارة بوش النمطية التي دفعته إلي غزو العراق وإبادته وغزو أفغانستان واتباع سياسة قاتلة وخاطئة في المنطقة كلها.. فحوي استقالة كارين هيوز تنطق بالحقيقة وهو أن الخطأ في الأصل يكمن في منطوق الرسالة التي حملتها والذي يقول كيف يمكن تجميل الوجه الأمريكي الصديء؟!