بمزيج من مشاعر الفخر ومشاعر الغضب والأسي، شاركت في احتفالية مكتبة الإسكندرية بمناسبة مرور خمس سنوات علي افتتاحها "الثاني"، حيث دمرت تماما منذ 1600 عام تقريبا، بعد أن حلت بها الكارثة الأولي عام 48 قبل الميلاد، عندما احترقت إبان الحرب التي شنها يوليوس قيصر في الإسكندرية، وفي محاولة للتخفيف من الآثار المروعة لهذه الكارثة قام أنطونيو باهداء 200 الف مخطوط إلي كليوباترا تعويضا عن هذه الخسارة التي لا تعوض، إلا أن الانقلابات المتتالية داخل الامبراطورية الرومانية، أدت إلي الدمار الكلي للمكتبة القديمة التي اختفت تماما عام 400 من الميلاد، بعد أن تربعت لمدة تزيد علي ستة قروت علي عرش العلم والمعرفة، منذ شيدها بطليموس الأول عام 288 قبل الميلاد، وكان معبد ربات الفنون أو الموسيون يتكون من اكاديمية للعلوم ومركزاً للأبحاث ومكتبة يتوافد عليها أعظم مفكري ذلك الزمان، كما توافد عليها العلماء والرياضيون والشعراء من كل الحضارات للدراسة وتبادل الأفكار. وامتلأت أرفف المكتبة بما يقرب من 700 ألف مخطوط، أي ما يعادل أكثر من 100 ألف كتاب من الكتب الحديثة المطبوعة، ومن قلب هذا الصرح الثقافي والعلمي كان أريستار خوس أول من قال بأن الأرض تدور حول الشمس، وذلك قبل 1800 عام من اكتشاف كوبرنيكوس لهذه الحقيقة، واثبت ابراتوستينس أن الأرض كروية، وقام بحساب محيط الأرض بدقة مذهلة، كما تحدث عن امكانية الابحار حول العالم، وذلك قبل 1700 عام من قيام كولومبوس برحلته الشهيرة، ووضع الشاعر اليوناني كاليما خوس أول فهرس للكتب، ووضع إقليدس مبادئ علم الهندسة، وحدد هيروفيلوس المخ علي أنه العضو المتحكم في جسم الإنسان، بادئا بذلك عصراً جديداً في مجال الطب، وتمت أول ترجمة للعهد القديم من العبرية إلي الإغريقية، وسجل مانيثو تاريخ الفراعنة حسب التسلسل الزمني للوقائع وقسم التاريخ إلي أسر، وهو مرجعنا في التقسيم حتي يومنا هذا. وبعد مرور 1600 عام ثم احياء مكتبة الإسكندرية من جديد، حيث أعيد افتتاحها في 16 أكتوبر 2002. وكما يقول الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير هذا الصرح الحضاري فأن مكتبة الإسكندرية لا تقتصر علي كونها مكتبة، بل إنها مجمع ثقافي يضم بين جنباته مكتبة قادرة علي استيعاب ثمانية ملايين كتاب، وأرشيفاً للإنترنت وست مكتبات متخصصة للفنون والوسائط المتعددة والمواد السمعية والبصرية، وللمكفوفين، وللأطفال، وللنشء، وللميكروفيلم، وللكتب النادرة والمجموعات الخاصة. بالإضافة إلي ثلاثة متاحف، الأول للآثار، والثاني للمخطوطات، والثالث لتاريخ العلوم. وقبة سماوية. وقاعة استكشاف لتعريف الأطفال بالعلوم. وبانوراما حضارية، هي بمثابة عرض تفاعلي قام بإعداده مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي. و"فيستا" نظام التفاعل الافتراضي في تطبيقات العلوم والتكنولوجيا يسمح للباحثين بتحويل البيانات ثنائية الابعاد الي نماذج محاكاة ثلاثية الأبعاد. وتسعة معارض دائمة. وأربع قاعات للمعارض الفنية المؤقتة. ومركز للمؤتمرات يتسع لآلاف الأشخاص. وسبعة مراكز للبحث الاكاديمي. ومنتدي للحوار يقدم فرصة لالتقاء المفكرين والمؤلفين والكتاب لمناقشة القضايا الحيوية التي تؤثر في المجتمعات الحديثة، وقد أسفر المؤتمر الأول للإصلاح العربي الذي عقد في 2004 عن انشاء منتدي الإصلاح العربي. كما تستضيف مكتبة الإسكندرية عدداً من المؤسسات من بينها أكاديمية مكتبة الإسكندرية، والمجموعة العربية لاخلاقيات العلوم والتكنولوجيا، ومؤسسة أناليند للحوار بين الثقافات، ومعهد دراسات السلام، ومركز رينيه جان ديبوي للقانون والتنمية، وشبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاقتصاد البيئي ويستمر عدد هذه الشبكات في النمو لتصبح مكتبة الاسكندرية بذلك مركزا للعديد من الشبكات الدولية والاقليمية. وليس غريبا بعد هذا كله أن نعرف أن المكتبة تستقبل مليون زائر سنويا كما تقيم أكثر من 500 حدث ثقافي وفني كل عام. وقد كان لي شرف المشاركة في العديد من هذه الأحداث الثقافية والفكرية، ونجاحة في إطار منتدي الاصلاح العربي الذي يقوده باقتدار الدكتور محسن يوسف. كما كان لي شرف انتخابي مقررا لاحدي اللجان الاستشارية للمكتبة وهي لجنة الاعلام التي يرأسها الدكتور خالد العزب. ومن خلال ذلك أتيحت لي فرصة متابعة الأنشطة المتعددة لهذه المكتبة التي نجحت في أن تكون وريثة للمكتبة القديمة وامتدادا لتراثها الحافل في التواصل بين الثقافات والتعددية الفكرية مع بصمة عصرية بطبيعة الحال ربما كان أهمها في المجال الرقمي فبعد انضمام المكتبة كشريك استراتيجي كامل لاتحاد المكتبات الرقمية مضت قدما في العمل في مجالات مختلفة ونجحت في تطوير البنية التحتية الفنية بالمكتبة وقامت بتركيب أجهزة Petabox .