يبدو أن الجدل المحتدم حول مشروع أبراج القلعة علي مدار الشهور الأخيرة قد وضع أوزاره فالمشروع الآن يعيش في طور ميلاده بعد أن حسمت اليونسكو الموقف بإصدار تقر الأخير وتقييمها للمشروع ووضع كل الضوابط الإلزامية التي تقبلها الجانب الآخر متمثلا في محمد نصير رجل الأعمال المصري صاحب المشروع ووعد بتنفيذها وعدم الحياد عنها ليحمي "سلامة رؤية القلعة" حتي لا ينفذ الشرط الجزائي لمنظمة اليونسكو بشطب المنطقة من الخريطة الأثرية العالمية. وقد أورد تقرير لجنة اليونسكو أن المشروع ذو قيمة عالمية متكاملة مع موقع القلعة داخل منظومة القاهرة التاريخية شريطة أن يتم تصغير حجم المباني حتي لا تؤثر علي سلامة الرؤية لقلعة صلاح الدين المواجهة لمبني المشروع حيث يطالب التقرير بخفض المبني ككل إلي 31.55م بما يساوي ارتفاع السور المحيط بالقلعة بالإضافة إلي ضرورة نقل الأدوار العلوية للفندق والتي يتراوح ارتفاعها بين 30.55م إلي 47.55 وكذلك الأدوار العليا الست الخاصة بمنطقة مكاتب الفندق بالقطاع الجنوبي الشرقي من الخريطة والتي يتراوح ارتفاعها بين 31.5 متر و 59.6 حيث انها تمثل انتهاكا واضحا لسلامة رؤية القلعة وهو الأمر الذي قوبل بالموافقة من قبل صاحب المشروع. ويبدو أن تدخل اليونسكو وهي جهة محايدة قد أدي إلي انحسار موجات الاعتراض علي المشروع وانقشاعها وان ظلت بعض غيوم الاعتراض تشوب الموقف إلا انها ومن المتوقع - كما يقول الخبراء ل "الأسبوعي" - أن تنتهي قريبا خاصة بعد أن أصدر العلماء وخبراء الآثار تقريرهم والتزام الطرف الآخر بها. وقد واجه مشروع "أبراج القلعة" والشهير بمركز القاهرة المالي والسياسي الكثير من المتاعب منذ ولادة الفكرة وشهد العديد من مراحل الشد والجذب حتي تصاعدت الأمور وتحولت إلي حرب وتشابكت العديد من الأطراف ولم يكن أحد يعلم من المسئول؟ ومن هو المخطئ؟ فمؤسسات عديدة وافقت علي المشروع محليا وأخري رفضته ودخل الأمر إلي دائرة مفرغة حتي قال التحكيم من قبل لجنة اليونسكو كلمته.. وقد جددت هذه القضية آلام الاقتصاد المصري في عدم وجود جهة واحدة موكول لها اعطاء الموافقات والتراخيص علي مثل هذه المشروعات غير أن تعدد المؤسسات وتشابك الاختصاصات داخل أروقة المنظومة الاقتصادية بات من أهم المؤثرات في مناخ الاستثمار ويتصدر المعوقات ويهدد بهروب الاستثمار. فحصول المشروع علي الترخيص المبدئي كان من قبل مجلس الوزراء وتم تمكين الشركة من العمل دون الحصول علي موافقة هيئة الآثار وهو ما قاله الدكتور زاهي حواس أبرز المعارضين للمشروع وانتقد هذا التخبط. ومع ذلك فإن الطرف المقابل قد أخطأ أيضا بقدر معين فرجل الأعمال المصري محمد نصير رفض مقترحات هيئة الآثار واعتبرها نوعا من المؤامرة وطالب بإحالة الأمر إلي تحكيم دولي ومن ثم تدخلت اليونسكو وخلصت بعد مفاوضات طويلة إلي إصدار تقريرها الأخير وعموما وبعيدا عن حالة اللغط التي سادت الموقف فإن الفترة القادمة تعد الأكثر هدوءا منذ بدء هذا المشروع وقد التقي "الأسبوعي" بجميع الأطراف وبالخبراء والمسئولين ورصد رؤيتهم للمرحلة القادمة وطرح عليهم السؤال: هل سيلتزم "نصير" بتعليمات اليونسكو، وهل إذا ما التزم مثلما وعد بذلك سيعود بخسائر علي استثماراته في ضوء التكلفة المبدئية التي وضعها في البنية الأساسية التي راعت ارتفاعات أكبر.. ومن جانبه جدد محمد نصير صاحب مشروع مركز القاهرة المالي والسياحي التزامه بتنفيذ بنود تقارير اليونسكو التي تراعي حماية الآثار في المنطقة من أي آثار سلبية قد تضر بسلامة رؤية القلعة، وهذا ما تم فعلا من خلال التصميمات الجديدة التي يتم مراعاة كل حرف من تعليمات اليونسكو في تنفيذها علي حد وصفه. أضاف نصير أن التصميمات تحقق الرؤية الكاملة من أعلي وأقل نقطة لكل من قلعة صلاح الدين والسور وبالتالي فليس هناك الآن ما يسمي أبراجاً حيث إن التعديلات تمت وفقا لرؤية العلماء وخبراء الآثار. وأوضح نصير أننا ننتظر زيارة اليونسكو ووجهة نظر مجلس الوزراء في التقييم الجديد وهي مسألة وقت لاننا راعينا ذلك في التقييم الجديد وبلا أي تحريف وننتظر الآن الزيارة. ومن جانب آخر التقينا بأحمد أبو طالب رئيس لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشعب والذي أكد ان الدراسات المستفيضة التي قامت بها جميع الهيئات المعنية ولجنة اليونسكو هي حجر الأساس الذي يتم من خلاله مراقبة تنفيذ المشروع عن كثب وبكل حيادية لما فيه الصالح العام، فجميع أطراف المنظومة وعلي رأسها الدولة لن تقدم علي الموافقة علي أي خطوة قد تضر المجتمع أو الآثار والتي لا تعد ملكا لمصر فقط بل للإنسانية جمعاء.. وفيما يخص آثار المشروع علي المنطقة أوضح أبو طالب أن هناك جوانب إيجابية لولاها لكان المشروع قد رفض منذ البداية ولكن المهم أن الرقابة الآن قائمة ولن يتم التهاون في أي مخالفة قد تلوح بوادرها في الأفق.