في زمن العصر الشمولي كانت المناصب من حق الموالين للثورة، أي أن الولاء قبل الكفاءة.. كانت الكفاءات منبوذة ولهذا هاجرت من مصر إلي بلاد الله الواسعة، وقد قابلت عددا من هؤلاء وتركز كلامهم معي حول "إهمال الكفاءات في المجتمع"، وكيف ان الولاء وحده يجعل بنية المجتمع هشة، ان الولاء معناه الاخلاص الأعمي للثوار أو الحكومات ولكن هذا الاخلاص لا يصنع تطورا، والكفاءات - عادة - صوتها منخفض ولا تعرف الصوت العالي ولا تتقن فن الفهلوة والسيرك الإداري، الولاء مطلوب بطبيعة الحال بشرط ألا يتجاوز النسبة المعقولة ولا يطرد الكفاءة. والرجل الكفء في عمله يملك أدواته ومهاراته، وليس لديه وقت للمجاملات ولعبة الثلاث ورقات التي يجيدها من يملكون الولاء فقط. وهناك "عداء" غريب بين من يملكون الكفاءة ومن يكتفون بالولاء وحده، وعبر تجارب شخصية فإن أصحاب الولاء يبالغون في دورهم بأن يتحولوا إلي عيون وآذان ترصد تصرفات الاكفاء وهم بذلك يحمون النظام من أعدائه متصورين أن هؤلاء الاكفاء اعداء ويثيرون المتاعب للأنظمة، إنهم كتبة تقارير ليس إلا. "الوزير والشلة".. عبارة تقليدية في زماننا ربما كانت موروثة من ذلك الزمن ومضمونها أن الوزير يأتي دائما بأصدقائه، وربما بمن يحملون له الولاء وهو يغدق علي هؤلاء بالمناصب والمكافآت وأحيانا يخترع مناصب جديدة يسندها إليهم، وهؤلاء يتحولون في غالب الأمر إلي جواسيس للوزير لذا اعتمدوا علي ولائهم فقط دون مؤهلات الكفاءة .. مصر بلد لا يحترم الكفاءات فكم من كفاءة صنعت مجدا خارج مصر هل هي نظرية "الولاء قبل الكفاءة"، أم هي العداء التقليدي للكفاءات؟ لا أدري. المجتمع المدني - في مصر - يطل برأسه علي استحياء لأنه بكفاءاته عاش طويلا في عزلة ولم يكن له كينونة، وتحاول المجتمعات المدنية العمل لإثبات قدراتها، وفي مصر - الآن - محاولات جادة من الوزير أحمد درويش هدفها إيجاد معايير ثابتة للعمل تختفي فيها نبرة الولاء ويرتفع فيها صوت الكفاءة، هذه المحاولات ستضع للوظيفة ملامح محددة وقواعد ثابتة والإعلان عنها عند الحاجة إليها يوضع بشروط واضحة ليس فيها أي غموض، والهدف إلغاء تفصيل الوظائف علي أشخاص لهم "ولاء" ولو وصل الوزير في أحلامه وأمانيه لشاطئ إعادة الاعتبار للكفاءة فسوف يكون هذا انقلابا في قشرة المجتمع أي إعادة الاعتبار للكفاءة سوف تقلص من حالات الهجرة إلي بلاد الله وسوف تملأ مسام العمل بالشعور الخلاق ويرحل الاحباط. صحونا - في زمن ما - علي فكرة الرجل الصحيح والمناسب في المكان المناسب، ولكن الذي حدث هو أن "الرجل غير المناسب شغل المكان غير المناسب" وكانت نتيجة المعادلة صفرا، فالملاحظ الآن أن وزراء - في مناصب - ليسوا هم خلاصة عقول مصر بل هم موظفون شطرنج وهناك رؤساء مؤسسات في مناصبهم التي هي أكبر من أحجامهم الحقيقية وهناك شلة لكل وزير أو رئيس مؤسسة ليسوا هم الاكفاء لهذه المواقع. اعيدوا للكفاءة اعتبارها لتأخذ مكانتها ومساحتها. اعيدوا للطاقات المعطلة لأسباب تافهة اعتبارها لتنطلق. اعيدوا للكفاءات مكانها تحت سماء الوطن، فالمواطن في حاجة لهؤلاء. العالم يلهث ويتطور ونحن تحكمنا الشللية والقبلية إلي الآن. "يا للهول" كما قالها يوما يوسف وهبي.