تعاني الصناعة المالية الإسلامية هذه الأيام من الاعتماد المبالغ فيه علي هيكلة المنتجات المالية التقليدية هيكلة شرعية من أجل تطبيقها في المؤسسات المالية الإسلامية وقد كانت هذه الممارسات تعتبر محمودة في الفترات الأولي من انطلاق الصناعة والتي كانت تسعي فيها إلي تثبيت نفسها واثبات ذاتها كجزء من الصناعة المالية الدولية. لكن من غير المحمود أن تغالي العديد من المؤسسات المالية الإسلامية في الهيكلة الشرعية للمنتجات المالية التقليدية مكتفية بوضع إطار من "الحلال" علي المنتجات مع تحقيق أرباح أو تقليل المخاطر ذات المدي القصير دون اطلاق العنان للرؤية الاستراتيجية وإدراك أن الخطر محدق بصناعتهم التي ينتمون إليها. مما لا شك فيه أن ما يميز أي صناعة علي وجه البسيطة هو منتجاتها فمزايا المنتجات والحاجة إليها هي التي تحدد الطلب عليها وبالتالي تحدد استدامة صناعتها. ولنأخذ علي سبيل المثال صناعة الأواني النحاسية التي شارفت علي الاندثار بعد أن اصبحت تستخدم علي الاغلب للزينة وبعد أن أصبح النحاس يستخدم في العديد من الصناعات المتطورة الاخري، بل إن هناك صناعة نشأت من الاواني التي من الممكن أن تشمل النحاس كجزء من مكونات اخري مما أدي إلي اندثار صناعة الاواني النحاسية لصالح صناعات اخري. لعل المنتمي الحقيقي لصناعة الخدمات المالية الإسلامية يؤمن علي الاقل من الجانب النظري ان منتجاتها أعلي جودة من المنتجات المالية التقليدية وذلك لأنها محكومة بأحكام الشريعة الإسلامية لكن إذا ما بقي الحال علي ما هو عليه من عمليات هيكلة شرعية لمنتجات تقليدية فإن مستوي المنتجات المالية الإسلامية بحكم انها شرعية سيتحدر ليصل إلي نطقة يتقارب فيها مع مستوي الخدمات التقليدية وعند ذلك سيكون هناك سيناريوهان محتملان يلوحان في الأفق أولهما وأرجحهما أن تتشابه المنتجات المالية الإسلامية تشابها كبيرا مع المنتجات المالية التقليدية وهو أمر سيعمل حتما علي دعم المنتجات المالية التقليدية ورفع سويتها واستدامة صناعاتها تماما كما يعمل علي اضعاف خصوصية ومزايا الصناعة المالية الإسلامية ومنتجاتها. اما السيناريو الثاني - وهو الأقل ترجيحا - فيتمثل في اندثار المنتجات المالية الإ"لامية نتيجة لعدم تطوير منتجات اصيلة تدعم استدامة الصناعة ونتيجة لاستفادة المنتجات المالية التقليدية من عمليات الهيكلة الشريعة لمنتجاتها فتصبح جميع المنتجات من نتاج الصناعة التقليدية. وحتي تستطيع الصناعة المالية الإسلامية أن تتدارك نفسها وتحافظ علي استدامتها لابد لها من أن تتحول في المستقبل العاجل إلي استغلال المخزون الاستراتيجي من الصيغ الفقهية الشرعية للمنتجات الإسلامية الأصيلة وهذا هو السيناريو الذي يجب أن تنشده المؤسسات المالية الإسلامية لتحقيق استدامتها في ظل ظروف سوق مفتوحة تشتمل علي عملاء علي مستوي عال من الوعي والإدراك والقدرة علي التمييز بين ما هو أصيل وما هو بديل. باحث مالي