لاشك أن أي متابع لأحوال الاقتصاد المصري يتنبه إلي انكماش القطاع الصناعي وتراجع دوره في التنمية بل يكاد يتحقق أن العقود الثلاثة الماضية شهدت تصفية واسعة للقطاع الصناعي بداية من صناعة النسيج إلي صناعات معدات الانتاج ولعل المثل الصارخ لها بيع مصنع المراجل البخارية إلي شركة أجنبية قامت بتصفية المصنع وبيع معدات الانتاج بالمزاد العلني. دعنا من الماضي، ماذا يجب علينا أن نفعله الآن؟ يجب أولا أن ندرك أن التنمية الاقتصادية هي بالدرجة الأولي زيادة القيمة المضافة المحققة من الانتاج المحلي والحفاظ علي هذه القيمة من التسرب للخارج. لذلك فإن تنمية القطاعات الانتاجية واولها الصناعة هي مربط الفرس ورغم ان هذا لا يمنع الاستفادة من المصادر الخدمية كالسياحة التي تعتمد علي الهبات الطبيعية كالجو والشواطيء او السياحة الي الآثار وغيرها انما السياحة مثلها مثل قناة السويس هي مصادر ريعية لا يمكن الاعتماد عليها كأساس او قاطرة للتنمية. تنمية القدرات الصناعية يستلزم في وضعنا الحالي بجانب الحفاظ علي المتبقي من الهيكل الصناعي المصري ان يتم ضخ استثمارات لاتقل عن 15% من الدخل القومي في الانتاج الصناعي كمصانع ومعدات انتاج استهداف هذا المعدل كفيل برفع انتاجية العمل علي النطاق القومي سوف لا يتناول البرامج المصاحبة لذلك من تدريب وتأهيل العمالة واهمية خلق مراكز علمية تصاحب وتخدم النهضة الصناعية. يجب ان نستهدف الوصول الي هيكل صناعي يتمتع بدينامية عالية يحقق الاهداف الأتية: 1- تحقيق اعلي معدلات القيمة المضافة محليا. 2- التعميق الصناعي بحيث ننتج اكبر قدر من المدخلات اللازمة للانتاج التام وبحيث تكون المدخلات خامات او اقرب ما يمكن وان تستهدف ان تكون الصناعة ليست من نوع ربط المفك كتجميع السيارت والسلع الهندسية او الكهربية او البويات. 3- انتاج اكبر قدر من معدات الانتاج كمصانع السكر او مصانع الاسمنت ناهيك عن المعدات الهندسية وان نستهدف الخروج عن سياسة المصانع تسليم مفتاح. 4- الانتقال بأسرع ما يمكن الي الصناعات ذات التكنولوجيا الاعلي والصناعات ذات التركيز العالي لرأس المال، تقوية مراكز البحوث التطبيقية والبداية من سياسة الهندسة العكسية والقفز الي احداث التكنولوجيا المحلية بدور اساسي في تحقيق ذلك. 5- الحفاظ في نفس الوقت علي الوحدات الانتاجية الصغيرة كثيفة العمالة ويجب ان نتوخي الدقة في اي فروع الانتاج يتم فيها الاستثمار الذي يرفع انتاجية العمل فليس من المفيد او المجدي زيادة البطالة بزعم رفع انتاجية العمل، الحفاظ علي الانتاج الحرفي والصناعات التقليدية لا يقل اهمية المهم الحفاظ علي اكبر قدر من القيمة المضافة ولا يتم تصفية الانتاج ذي انتاجية العمل المتواضعة قبل ان تصل الي تصفية البطالة بل يتم الاستثمار في الصناعات المتقدمة وذات التكنولوجيا الاعلي وذات التركيز العالي لرأس المال في الفروع التي لا تصفي الانتاج الاقل انتاجية قبل حل مشكلة البطالة. الغريب في مصر ان السياسات الاقتصادية الحالية لا يمكن ان تؤدي الي تنمية فما يسمي التثبيت والتكيف الهيكلي بل كل السياسات المسماة توافق واشنطن كانت نتيجتها في التطبيق في جميع بلاد العالم الثالث مزيدا من المشاكل التي تعانيها اتسمت هذه السياسات بتحرير حركة رأس المال اي فقدان الدولة القدرة علي التحكم في حركته وفي الوقت الذي تستجدي قدوم رأس المال الاجنبي فان رأس المال المصري يتم ضخه الي الخارج سواء بالاستثمار في سندات الخزانة الامريكية او بالاستثمار المصري في الخارج او تحويل الارباح او تهريب رؤوس الاموال والقروض البنكية الي اخره. واتسمت تلك السياسات برفع معدل الفائدة البنكية التي ترفع تكلفة رأس المال المستثمر في الصناعة. اما حرية التجارة فهي بعكس ما تم من الحماية للصناعة المحلية وهو ما تم في جميع البلاد التي اصبحت الان صناعية واولها الولاياتالمتحدة والمانيا وفرنسا وكل اوروبا واليابان اي ان جميع البلاد المتقدمة صناعيا بدأت بحماية صناعاتها من المنافسة الاجنبية وحتي تلك الدول الصناعية المتقدمة بمجرد احساسها بمنافسة خارجية لاي فرع من فروع الصناعة فانها تقوم بحمايتها سواء بالحصص او الاتهام بالاغراق او بتعديل المواصفات او بجميع اساليب الحماية غير الجمركية.