لم يحدث أن مرت القضية الفلسطينية بالظروف التي تمر بها اليوم والتي تشكل في مجملها خطرا كبيرا عليها، فمع تعاظم العدوان الإسرائيلي كانت هناك الحرب الفلسطينية الفلسطينية والتجاذب بين السلطة والحكومة ومن ثم فتح الباب علي مصراعيه أمام البدائل التي تركزت في مشاريع الوصاية. لقد عادت الأمور لما كانت عليه في الستينيات بعد أن قامت إسرائيل بقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وبعد أن زادت موجات الاقتتال. خطر استمرار التجاذب تدرجت الأوضاع بعد انسحاب شارون من غزة وقيل يومها إن المخطط يرمي إلي أن تحصر الدولة الفلسطينية في غزة وانبري البعض يتحدث عن سلطة لحماس في غزة وسلطة حكم ذاتي لفتح فيما تبقي من أراضي الضفة الغربية، ولا غرابة فلقد أعانت نزعة التجاذب بين فتح وحماس علي تكريس منطقة الانقسام وكان يتعين علي الفلسطينيين لاصلاح الخلل إدراك مغبة الانزلاق نحو الاقتتال الداخلي بوصفه يشكل أكبر خطر علي القضية ولا يصب في مصلحة أحد اللهم إلا مصلحة إسرائيل وأمريكا. حكومة ترتكز علي المحاصصة.. وفي محاولة لرأب الصدع بين الفصيلين - فتح وحماس - جاء اتفاق مكة الذي لم يعالج القضايا الرئيسية وراء الخلاف الذي اندلع بينهما وإنما ركز علي أمر واحد وهو حكومة الوحدة الوطنية التي تم طرحها وفقا لقاعدة المحاصصة أكثر من كونها شراكة سياسية حقيقية يهمها أن تلتزم ببرنامج متماسك للحكومة وزاد من وطأة المشكلة واحتدامها وجود أطراف خارجية لها امتدادات داخلية تحارب بالوكالة عنها ومن ثم كان من السهل افشال تجربة حكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها اثر العودة من مكة أعان علي ذلك الحصار التجويعي الجائر الذي ظل مفروضا علي الحكومة منذ أن فازت حماس في انتخابات 25 يناير 2006. مؤامرات في المنطقة اصطبغت الأحداث بصبغة المؤامرة التي سادت المنطقة وأحاطت بكل قضاياها بدءا من العراق الذي كان لدول عربية الباع الطويل في تشجيع أمريكا علي اجتياحه والقضاء عليه كدولة ذات سيادة وقتل ابنائه وسلب ثرواته، ومرورا بلبنان الذي لعبت فيه المؤامرات أدوارا خطيرة كان نتاجها اقرار محكمة دولية للتحقيق في اغتيال الحريري وفق البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة، بالإضافة إلي ما حدث في مخيم نهر البارد منذ العشرين من الشهر الماضي وحتي الآن وما حدث في مخيم عين الحلوة وهو أشبه ما يكون بحرب المخيمات التي يمكن أن تتطور إلي الحرب الأهلية التي عاشتها لبنان في السبعينيات وانتهاء بفلسطين مع ما يجري في ساحتها من خلط للأوراق وجرعة خطيرة من التضليل والخداع. من يسوس الأمور في المنطقة؟ لقد ظهر أن الأمور في المنطقة لا يسوسها ابناء المنطقة وإنما تساس من قبل أمريكا واسرائيل حيث تسعي كل منهما إلي تحقيق مصالحها والغريب أن تظهر نخب محلية تساعد في تنفيذ كل السيناريوهات المطلوب تحقيقها وأخشي ما يخشاه المرء أن تنتهي القضية الفلسطينية إلي وضع تختزل معه الدولة إلي شقين، دولة في غزة ترعاها حماس ويؤول الإشراف عليها ثانية إلي مصر واخري في الجزء المتبقي من الضفة تؤول إلي فتح وتصبح تحت الوصاية الأردنية وبذلك تكون الغنيمة قد تم توزيعها علي الفصيلين وكل ظفر برئاسة جزء من الأرض الفلسطينية ولا شك أن هذا سيصب في صالح إسرائيل فلقد ضمنت بذلك عدم قيام دولة فلسطينية مستقلة يعيش تحت مظلتها كل الفلسطينيين كما ضمنت في الوقت نفسه أنها لن يكون مطلوبا منها عنذئذ الانسحاب حتي حدود الرابع من يونية 1967. العودة إلي مصر عودة الفلسطينيين إلي مصر وموائد الحوار فيها والاجتماع مع فصيلي فتح وحماس وفصائل أخري مثل الجهاد والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية يعني أن اتفاق مكة الذي تم التوقيع عليه في الثامن من فبراير الماضي قد تعثر ولم يحقق المراد منه وبذلك عادت الأطراف الفلسطينية ثانية إلي مصر علها تجد حلا لمعضلتها الداخلية أولا كي تنطلق منها بعد ذلك لعلاج القضية بيد أن نجاح الدور المصري علي صعيد وقف أي اقتتال فلسطيني داخلي ووقف أي اجتياحات إسرائيلية للأراضي الفلسطينية يظل رهنا بانتزاع ضمانات من إسرائيل ومن الحليف الأمريكي تعطي الأمل في امكانية التوصل إلي تسوية عادلة يتم في إطارها تنفيذ إسرائيل للاتفاقيات التي وقعت مع التوصل إلي حل لقضايا الوضع النهائي وأعني بها الحدود واللاجئين والقدس والمستوطنات. أمريكا ودور مأمول الوضع يتطلب في الأساس بحث المشروع الوطني الفلسطيني وهو الذي يمثل جوهر القضية الفلسطينية وأن يتم البناء علي ما جري احرازه في لقاء مكة وأن تساهم الرباعية العربية (مصر - السعودية - الأردن - الامارات) في دعم ما يتم الاتفاق عليه وقبل كل ذلك أن تتخلي أمريكا عن انحيازها الكامل لإسرائيل وتشرع في لعب دور الراعي الأمين الشريف النزيه بهدف التوصل إلي تسوية عادلة يتم معها انسحاب اسرائيلي كامل من الأراضي الفلسطينية والإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار 194 الذي يقضي بحق العودة للفلسطينيين.