تراجعت قضية فلسطين في الخطاب الرسمي العربي، فلم تعد القيادات العربية تكترث لما يجري علي الأرض الفلسطينية اليوم سواء بالنسبة للتجارب والصراع بين حماس وفتح أو بالنسبة للتصعيد العسكري الاسرائيلي في غزة والاجتياحات اليومية والحصار والقتل الجماعي، فلقد عادت اسرائيل إلي احتلال غزة وقصفها يوميا بعد ان ادعت أنها انسحبت منها في العام الماضي. عمليات إبادة.. عودة اسرائيل إلي غزة هذا العام تعني الكثير خاصة لما ارتبط بها من ازهاق الكثير من أرواح الفلسطينيين بداية من عملية أمطار الصيف، في 28 يونيو الماضي وهي العملية العسكرية الواسعة الأولي منذ انسحاب اسرائيل من غزة في سبتمبر 2005 وجري بالتزامن معها اعتقال ثمانية وزراء وأربعة وعشرين عضو مجلس تشريعي، مروراً بعملية رجل المطر في 12 أكتوبر الماضي وانتهاء بعملية غيوم الخريف التي بدأتها اسرائيل فجر الأول من نوفمبر الحالي واقتحمت خلالها بيت حانون وأعملت القتل والتدمير والحصار فسقط عشرات الشهداء والجرحي.. حتي المسيرة النسائية السلمية لم تسلم منها يوم الجمعة الماضي فلقد اطلقت النار عليها، ارهاب صهيوني لا يميز بين المحارب والمدني فليس هناك محرمات لدي اسرائيل. أمريكا والضوء الأخضر..! الأحداث في بيت حانون بلغت ذروة المأساة الانسانية ويكفي اطلاق اسرائيل النار علي سيارات الاسعاف ومنع الطواقم الطبية من الوصول إلي الجرحي والمصابين، المجازر ترتكب لحظة بلحظة والمخطط مستمر بعد ان أعطت ادارة بوش الضوء الاخضر لتنفيذه وخرج المتحدث باسم الخارجية الامريكية في أعقاب مجازر بيت حانون ليبرئ اسرائيل من مسئولية ارتكاب الابادة الجماعية علي أساس أن ما تقوم به هو دفاع عن النفس ولا غرابة فهذه هي امريكا لا يمكن لها اليوم ان تتعامل بشكل انساني وقانوني وهذه هي اسرائيل الدولة المجنونة العنصرية التي يدفعها النهم لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين الذين يتعرضون لتطهير عرقي وارهاب ليس له مثيل. الإبادة والمجتمع الدولي.. ويرد التساؤل أين هو المجتمع الدولي؟ شعب بأكمله يتعرض لعدوان غاشم.. عدوان يتم بمباركة من أمريكا ومساعدة من اليمين اليهودي المتطرف عدوان يستهدف الجميع بدون تمييز، يستهدف البشر والحجر والمقدسات وكأنما خشيت اسرائيل من ان يكون هناك اتفاق بين حماس وفتح علي تشكيل حكومة وحدة وطنية فأرادت قلب الطاولة والحيلولة دون ذلك. أين العالم العربي؟ وتمضي اسرائيل في مهمتها وسط عالم عربي غير عابئ بما يحدث وبما يجري علي أرض عربية، وليت الأمر اقتصر علي ذلك ولكن قيادات عربية جاهدت وناضلت من أجل احكام الحصار علي فلسطين وتجويع شعبها في محاولة منها لارضاء أمريكا الساعية بدورها إلي عمل كل شيء يصب ايجابا في صالح الدولة الصهيونية رغم ان ما تقوم به اسرائيل يتنافي مع القانون الدولي ومع معاهدة جنيف التي تفرض حماية المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، والأكثر من ذلك رأينا قيادات عربية حريصة علي اطلاق سراح الجندي الاسرائيلي بينما لا تلقي بالا لمئات الأسري الفلسطينيين القابعين في سجون اسرائيل منذ سنوات. مبادرات شكلية رأينا التناحر والتنابذ والتجاذب الفلسطيني الفلسطيني بين حماس وفتح الذي وصل إلي حد إراقة الدماء ولم تتحرك أنظمة عربية لرأب الصدع وعلاج الخلل فقط رأينا محاولات صورية ومبادرت شكلية ذرا للرماد في العيون وفي محاولة لرد العتب وبالتالي لم تسفر عن شيء يذكر وظل الخلاف محتدما ينذر باندلاع حرب أهلية، لقد ترك العرب بذلك الساحة لاسرائيل لتعيث فيها فساداً فانتهزت الفرصة وبدأت حملة تصعيد شرس من خلال غاراتها اليومية علي غزة وقصف التجمعات السكانية بلا استثناء بدعوي تأمين الافراج عن الجندي جلعاد شاليت وبذريعة أن حماس حصلت علي أسلحة وصواريخ مضادة للدروع عبر الحدود مع مصر وباتت تشكل خطراً علي الطائرات الاسرائيلية وهي اكاذيب روجتها اسرائيل إمعاناً في تشديد الحصار العسكري علي قطاع غزة بهدف ارباك الحكومة الفلسطينية واسقاطها.. ويحدث كل ذلك دون أي حراك عربي أو دولي..! الصخرة الصلبة وتظل الوحدة الفلسطينية هي الصخرة الصلبة التي يمكن أن يواجه بها الفلسطينيون الارهاب الصهيوني والتي يمكن بواسطتها وضع اسرائيل في الزاوية ولاشك أن اسرائيل تحاول من وراء عملياتها العسكرية التوسعية هذه احراز مكاسب سياسية بعد ما منيت به حكومة أولمرت من هزيمة في لبنان، في أعقاب فشلها في تحقيق أهدافها والقضاء علي حزب الله وبعدما تراجعت شعبية أولمرت ووصلت إلي الحضيض. كما أن هذا التصعيد يأتي بعد انضمام "اسرائيل بيتنا" برئاسة مشيجدور ليبرمان إلي الائتلاف الحكومي ومعه ازدادت سياسة التصفية وهدم البيوت والحصار والخرق الذي فاق كل الحدود ولا غرابة فليبرمان أكثر الوجوه عنصرية وفاشية وعدوانية.