د.محمد فراج أبو النور الفضيحة التي تفجرت مؤخرا حول موضوع سفر الخادمات المصريات إلي السعودية، ودور وزارة القوي العاملة في تنظيم هذا السفر.. هي فضيحة تسلط الضوء بصورة مكثفة علي العديد من أخطر مشكلات مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وانعكاساتها علي الأخلاق العامة، وعلي مواقف قطاع واسع من المواطنين و"المسئولين" تجاه قيم كالشرف والكرامة وغيرها من القيم التي لا يستحق الإنسان بدونها أي احترام في مجتمعه، والتي تتآكل علي نطاق واسع في السنوات الأخيرة تحت وطأة عوامل كثيرة أهمها الفقر المدقع والحاجة المذلة، التي يعاني منها الملايين إن لم يكن عشرات الملايين من الفقراء في بلادنا. لا الكرامة.. ولا الاقتصاد وقبل ان نناقش الأبعاد الاقتصادية المحزنة لهذه الفضيحة لا يسعنا إلا التعبير عن الدهشة والرفض التامين لدفاع الوزيرة عن قيام الدولة "ممثلة بوزارتها" بالإشراف علي توريد الخادمات للسعودية تحت دعوي ان مكاتب التسفير الخاصة كانت تقوم بهذا الدور!! فإذا كان بعض ضعاف النفوس من أصحاب المكاتب الخاصة يقومون بدور مشبوه في تجارة الرقيق الأبيض، فليس معني هذا أن الدولة المصرية "ذات حضارة السبعة آلاف عام" ينبغي أن تنافسهم في هذا المجال.. تري هل دخول الدولة في هذه التجارة البغيضة هو الذي سيزيل عنها طابعها المشبوه؟! الإجابة في رأينا: لا.. قاطعة بل إن دخول الدولة في هذا المجال سيسيء إليها وإلي الشعب المصري كله، إساءة يصعب محوها لأنه سيجعلها تاجر الرقيق الأبيض "رقم 1" بصفة رسمية ومقابل أجر معلوم !! بدلا من الوضع الحالي الذي تمثل فيه هذه التجارة انحرافا فرديا تقع مسئوليته علي أصحابه. ويبدو من الهزل الممجوج هنا أن تتحدث الوزيرة عن "عقود العمل" و"ضمانات الحقوق" و"توفير السكن المناسب"!! فهل يا تري ينص الاتفاق الذي وقعته الوزيرة مع موظف سعودي صغير علي إقامة الخادمات والمربيات في شيراتون الرياض أو هيلتون جدة أو فور سيزونز الدمام؟؟!! وهل سينطلقن من فنادقهن الفاخرة إلي بيوت مخدوميهن في أوقات العمل الرسمية ثم يعدن إلي فنادقهن للمبيت؟؟!! مفهوم طبعا أنهن سيقمن في بيوت مخدوميهن حيث سيكن معرضات لكل أشكال الاستغلال والاهانة والاذلال، فضلا عن التحرش الجنسي وربما الاغتصاب.. ومفهوم طبعا أنهن سيكن مجردات من أية وسيلة جدية للدفاع عن أنفسهن وعن شرفهن.. وأنهن سيكن معرضات للتسليم إلي الشرطة في أية لحظة باتهامات كاذبة أو صادقة.. والشرطة في بلاد الاشقاء لا ترحم.. ويعاني من بطشها حتي أصحاب المراكز المرموقة من المصريين فما بالنا بخادمات تعيسات!! وجواز سفر الخادمة سيكون لدي "الكفيل" سواء كان المخدوم نفسه أو مكتب الاستقدام ولا يحق لها مغادرة البلاد بدون إذنه أو إخلاء طرف منه.. وبماذا يفيد عقد عمل مودعة نسخة منه لدي السفارة.. وسفاراتنا في الخارج كما نعرف جميعا؟؟ فهل هانت علينا كرامة بناتنا ونسائنا إلي هذا الحد؟؟!! وإذا كانت فتاة أو امرأة عضها الفقر بنابه، وتأمل أن يستر الله الحال وتعود سالمة ببعض النقود!! أو حتي فتاة أو امرأة متساهلة مستعدة للسفر كخادمة.. فهل تسمح كرامتنا الوطنية بقيام الدولة بتوريد الرقيق الأبيض للبلاد الشقيقة؟! أليس هذا إهانة لكرامة وطن وشعب؟! وهل يحق لأحد بعد ذلك أن يتحدث عن "دور مصر القيادي في المنطقة"؟؟!! وعن "مكانة مصر" و"ريادتها"؟؟!! فإذا جئنا إلي الناحية الاقتصادية فهل تصدير مثل هذا النوع من العمالة متدنية المهارات هو طموح حكومتنا؟؟! وهل التحويلات المالية لهذا النوع من العمالة ذات المهارات المتدنية هي التي ستنعش الاقتصاد المصري؟ معروف ان مثل هذه العمالة تقنع بأقل الأجور، وبالتالي فإن عائداتها ستكون متدنية بدورها وقد أشارت التقارير إلي أن أجر "الجارية المصرية" يبدأ من (500 ريال) أي نحو نصف أجر "الجارية الفلبينية" أي أننا لابد أن نقوم بتوريد ضعف عدد الجواري لنحصل علي ذلك القدر من التحويلات المالية الذي تحصل عليه الفلبينيات!! وغني عن البيان أننا لا نقبل بيع بناتنا في سوق النخاسة ولو بوزنهن ذهبا.. فالمسألة مسألة مبدأ وشرف وكرامة.. ولكن خيبة حكومتنا تمتد حتي للبيع بأبخس الأسعار!! الحجة الرئيسية التي يتذرع بها مؤيدو توريد الجواري للبلاد الشقيقة هي أن هذه التجارة المشينة من شأنها المساهمة في الحد من البطالة وتتردد في هذا الصدد أرقام مستهدفة تبدأ بنحو "120 ألفا" وتصل بها "آمال" البعض إلي المليون!! وبغض النظر عن الأرقام يظل السؤال هو: هل يمكن حل مشكلة البطالة بأن نتحول إلي أمة من الخدم؟؟!! مفاهيم متخلفة لقد قرأت مؤخرا مقالا لكاتب محسوب علي الليبرالية يتحدث عن أهمية تدريب الخادمات المتعلمات في مركز أو معهد خاص ليمكن لهن الحلول محل الخادمات الفلبينيات والسريلانكيات "في مصر" من أجل حل مشكلة البطالة!! فهل هذه هي التنمية البشرية التي نتحدث عنها ليل نهار؟! وهل ننفق المليار