حين يقال لك ان هذا الفنان هو تلميذ مخلص لعبدالله جوهر، هنا يجب أن تلتف وتنظر بعيون مختلفة إلي أي انتاج له. وقبل أن أحكي لك عن التلميذ لابد من لمحة سريعة عن الاستاذ عبدالله جوهر، هذا الفنان النادر الذي قام بتأسيس قسم الحفر في كلية الفنون الجميلة من بداياتها، ورحل عن عالمنا في العام الماضي عن عمر يناهز التسعين، وكانت كل أيامه عطاء للخبرة واكتشاف الابداع في التلاميذ. وفن الحفر ببساطة يقترب من الخلل، هو كيف ترسم ما تريد مقلوبا كي تعيد طباعته مرة أخري بشكل معتدل، كي يراه الجمهور، ويعرفون قيمة ما فعلت. وكان هذا هو الحال في فن الحفر قبل اختراع الكمبيوتر الذي قام بتسهيل الرسم وطباعته، وإن كان اغلب الحفارين يعشقون الرسم المقلوب علي الجلد أو الحجر أو الزنك، ويطبعون ما يرغبون، لأن هناك متعة خاصة في تلك الوسائل. والان اتحدث عن اربع لوحات معلقة الان في اكاديمية الفنون بباريس، وهي اول مرة ينال فنان مصري هذا الشرف الكبير، أما الفنان فهو صلاح المليجي استاذ الحفر بكلية الفنون القاهرية، والمنتدب حاليا ليكون المساعد الاول للفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفن التشكيلي، وكل منهما يتميز بصفة غاية في الحيوية، وهي استمداد الكبرياء من احترام الاعمال الفنية، وكل منهما ليس صاحب هوي إلا هوي الابداع. أما اللوحات المعلقة علي جدران "البوزار" أو "اكاديمية الفنون بباريس فهي تحكي تجربة غاية في الغرابة والبساطة، فقد رسم صلاح المليجي أهراما من الهواء، وصراع التيارات التي لا نراها ولكنها تصنع أيامنا، وهي تيارات الهواء أيضا. ومن المدهش ان صلاح المليجي لم يعلن اسماء اللوحات، ولكنه كان يعبر عما يراه من حوله من تحول أعماق البشر إلي تيارات تبدو متناقضة، ولكنها آخر الامر ترسم واقعا شديد الحيوية. وأطلق علي ما رسمه بينه وبين نفسه "كوم الهواء"، ويمكنك أن تلمس في العلاقات الهندسية المرسومة بالتدفق العاطفي قدرة هائلة علي الاحتفاظ بما يحرك داخل الفنان رحلة ايجاد العمل الفني، لفترة تتناسب بشكل أو بآخر من اللحظة الاخيرة من لحظات اتمام العمل الفني، وتلك هي اللحظة التي تمثل حدا فاصلا بين المبدع الحقيقي، وبين من يلعب دون ان يعرف متي يتوقف عن اللعب باللون أو الخط. ان اللوحات الاربع ليست تكريما لصلاح المليجي فقط، ولكنها تكريم للساحر الراحل عبدالله جوهر هذا الذي لم ينتج تلاميذ يقلدونه، ولكنه أيقظ في اعماق كل تلميذ له طاقة ابداع تخص التلميذ نفسه، ولأن طاقة الابداع عند صلاح المليجي تكاد أن تكون بلا ضفاف، لذلك نال شرف اعجاب من شاركوه بعمق وتاريخ في صيانة فنون الحفر بأكاديمية باريس، وجاءت لوحاته الاربع المعلقة هناك تكريما للمبدع المصري الفريد.