لم تراهن إسرائيل يوما علي شيء أكثر من رهانها علي الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني فقد كان هذا الهدف جل مبتغاها في صراعها الضروس مع القضية الفلسطينية منذ نحو ستة عقود مضت. إسرائيل وبكثير من التجاهل غضت الطرف عن قيام تنظيم حركة حماس في أواخر الثمانينيات وغضت الطرف أكثرعما كانت تنتهجه حماس من سلوك إذ كان هذا السلوك العدواني متجه نحو الفصائل الفلسطينية الأخري ذات الايديولوجيات اليسارية والعلمانية وكان أهم أهدافهم في ذلك الوقت تحرير الوطن من أعداء الدين والاسلام وتطهيرها من الشيوعيين الملحدين والعلمانيين انغضت إسرائيل الطرف للمرة الثالثة عن اتساع دائرة هذا التنظيم بل وزادت في انها تجاوزت عن ملاحقته إذ هو من وجهة نظرها يخدم أهدافها الحقيقية في ضرب التنظيمات النشطة آنذاك مثل حركة فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية فلا بأس من البراجماتية بعض الشيء إذا كانت تحقق أهدافا أكبر حتي أنه تردد في ذلك الوقت من حصول الحركة علي أسلحة إسرائيلية بطريقة أو بأخري. لكن سرعان ما تغيرت قواعد اللعبة اختلفت الموازين وتغيرت الأهداف حينما تبنت حركة حماس الكفاح المسلح ضد الاحتلال وهو الأمر الذي لم يكن مطروحا في برنامجها التنظيمي حتي اندلاع الانتفاضة الأولي عام 1987 وبدأت الحركة في توجيه سهامها النارية ضد الاحتلال بكل شراسة ودخلت قوانين المقاومة من أوسع أبوابها ووجدت إسرائيل نفسها تقع في شرك كبير لا يستهان بقوته علي الأرض خاصة وأن العديد من الافكار التي تبنتها تلك الحركة بدأت تتبلور علي الأرض في شكل يهدد الأمن الاسرائيلي فسارعت الأخيرة تشبه حرب لاهوادة فيها ضد الحركة ورموزها التي كان علي رأسها الشيخ أحمد ياسين ود.عبدالعزيز الرنتيسي آنذاك. الآن لم يختلف الأمر كثيرا في الاقتتال الدائر بين حماس وفتح عن سابق عهده فهو ارث قديم وجرح غائر لابد من تطهيره. الفارق أن الاقتتال في الماضي لم يكن بتلك الشراسة ولم يكن بالسلاح العلني والمباشر كما يحدث اليوم الأمر الذي انعش الشهية الاسرائيلية مرة أخري في تنفيذ حلمها بترحيل وتطفيش الشعب الفلسطيني من أرض طواعية بفعل الجحيم الذي صنعته أيديهم لا أيديها عبر استخدامهم لبعض أسلحتها التي طالما برعت في استخدامها خلال سنوات الاحتلال الطويلة وتحديدا سلاح الفوضي والرعب وفقدان الأمل وتغييب الأمن والأمان عن المواطن البسيط. لقد انتقل سلاح الجريمة المنظمة من ثنايا دولة الاحتلال إلي قطيع مارق من الشعب الفلسطيني مستغلين حالة الضعف المستعصية التي وصل إليها مشروع الدولة وأجهزتها وفقدانها القدرة علي الدفاع عن مواطنيها. من المؤكد والمقلق في ذلك التنازع الدامي بين الطرفين هو بروز ظاهرة الجريمة المنظمة لكل قوة لتملأ الفراغ الذي تركته السلطة الضعيفة لما تسوقه من مبررات غير مقنعة عما تقوم به من دور في مكافحة هذه الآفة الخطيرة التي تهدد استقرار هذا المجتمع وصموده وتماسكه. ورغم أن هذه الظاهرة كانت موجودة في فترة قبل السلطة ثم بعد وجودها ومن ثم ضعفها وتآكل أجهزتها الأمنية الكثيرة التي تخدم أهدافاً بعينها بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن إلا أنها انتعشت بشكل غير مسبوق في فترة انحسار الانضباط السلطوي علي حساب تمدد الفلتان السلطوي وتعدد مظاهرة وقوعه إلي فلتان غير سلطوي لكنه يستمد قوته ومبرراته من نفس الظاهرة التي بدأتها تلك الأجهزة غير المنضبطة والمتآكلة. ومن المؤكد أيضا أن الاحتلال يموج من الفرح للحالة التي وصل إليها الفلسطينيون بأيديهم فكم من مرة وفر الفلسطينيون علي الاحتلال بذل أي جهد لاخراجه من دائرة الاتهام إن الاحتلال ولأول مرة يكتشف أن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا برصاصهم وعلي أيدي عصاباتهم تجاوز عدد الذين قتلهم هو في حين تصبح أولوية القبلية السياسية (السلطة) وهي تحت الاحتلال لا تملك سوي الالقاب والمظاهر الخادعة فإن الأرض والشعب والقضية تصبح مسألة ثانوية لا قيمة لها حتي العدوان وجرائم الاحتلال يصبح في وعي الناس مرتبكا ولا مباليا ولو نزل من يصنفون أنفسهم في دائرة القادة لهذا الشعب المكلوم إلي الشارع واستمعوا إلي الناس سيكتشفون الضياع والارباك الذي أوصلته إليه الثقافة القبلية والعصبوية المشوهة التي تتم تغذيتهم بها أو حين يصبح الوعي مشوها والثقافة العصبوية هي السائدة يكون الاقتتال تحصيل حاصل ويكون التوصل لمائة اتفاق واتفاق مجرد نكتة!!