رغم إعلان الحكومة عن نيتها إلغاء دعم الطاقة المستخدمة في الصناعات الثقيلة مثل الحديد والأسمنت بحيث يصبح سعر الوقود المخصص لها موازيا للأسعار العالمية، ومع ارتفاع سعر طن الأسمنت بحوالي 400 جنيه إلا أن المستثمرين الأجانب يتكالبون علي الاستثمار في تلك الصناعة داخل دول الشرق الأوسط وخاصة مصر. الرغبة في الاستثمار بهذه الصناعة الملوثة للبيئة دفع العديد من رجال الأعمال الأوروبيين والمصريين أيضا إلي تقديم أكثر من 41 طلبا لإنشاء مصانع وافقت هيئة التنمية الصناعية علي 5 منها بطاقة انتاجية تصل إلي 10 ملايين طن أسمنت سنويا. "الأسبوعي" طرح العديد من التساؤلات منها ما هو سر زحف رأس المال الأجنبي علي مصر لإنشاء صناعة ملوثة للبيئة كالأسمنت؟ وهل يستوعب السوق المحلي طاقات انتاجية جديدة في هذا النشاط؟ وأخيرا.. ما حجم التلوث الهوائي الناتج عن تلك الصناعة؟ ارجع مدحت اصطفانوس "الخبير الاقتصادي" أسباب اصرار المستثمر الأجنبي إلي الاستثمار في محال الأسمنت بالشرق الأوسط إلي احتياج الدول العربية للأسمنت أكثر من أوروبا التي اكتملت فيها منظومة التنمية العمرانية بعكس الدول العربية التي مازالت في بداية التنمية العمرانية، موضحا أن هذا هو ما دفع المستثمرين الأوروبيين إلي توجيه استثماراتهم في الدول العربية لصناعة الأسمنت وليس كما يشيع البعض بأن السبب هو نقل الصناعات الملوثة من أوروبا إلي جنوب البحر المتوسط في الدول العربية. أكد أن هذا التكالب علي الاستثمار في قطاع الأسمنت ليس قاصرا علي مصر وحدها وإنما أيضا علي الدول العربية حيث يجري إنشاء عدد من خطوط الإنتاج الجديدة في كل من السعودية واليمن والسودان وليبيا والعراق وسوريا والإمارات والمغرب والجزائر والأردن بطاقة انتاجية سنوية تصل إلي 75 مليون طن أسمنت موجهة للتصدير. قال: رغم ضخامة الطاقة الإنتاجية المصدرة من الدول العربية إلا انها تعد منافسة لوجود عنصر دعم الطاقة الذي يخفض تكلفة الإنتاج. دعاية حكومية وبرر تامر ياقوت "مدير التطوير بشركة اسيك" إقبال المستثمرين عامة علي بناء مصانع أسمنت جديدة في مصر بسببين رئيسيين أولهما الدعاية الحكومية المصرية الزائفة بأن المناخ الاستثماري وردي واطلاق الشائعات عن توفير الطاقة وتسهيل الإجراءات علي المستثمرين علي عكس الواقع تماما. أشار إلي أن د. عمرو عسل "رئيس هيئة التنمية الصناعية" صرح بأن كل ما قيل عن المناخ الاستثماري المشجع يطبق علي جميع أنواع الاستثمارات فيما عدا قطاع الأسمنت له وضع خاص في ظل الأرباح العالمية المتحققة من تجارته مع توافر دعم الطاقة، مشددا علي أن المستثمرين يوافقون علي إلغاء دعم الطاقة ولكن يتساءلون عن أسلوب إلغاء الدعم هل سيتم بطريقة مفاجئة تصدم السوق أم بشكل متدرج، مشيرا إلي أهمية السرعة في اتخاذ القرارات وإعلانها ليتسني للمستثمر وضع دراسة الجدوي الخاصة بمشروعه ويكون علي بينة من أمره. ونفي أن يكون الغرض من تلك الاستثمارات هو تصدير السلع الملوثة للبيئة إلي مصر والشرق الأوسط، مشيرا إلي ان حجم الانبعاثات الملوثة للبيئة المسموح بها عالميا هي 50 مجم لكل متر3 ومصانع الأسمنت الجديدة في مصر انخفضت عن هذا المعدل ووصلت بالانبعاثات إلي 30 مجم متر3 وهذا يؤكد أن صناعة الأسمنت في مصر أصبحت غير ملوثة للبيئة بالشكل المرعب الذي كنا نراه قبل صدور قانون البيئة المصري عام 1994 حيث كانت تصل حجم الانبعاثات الملوثة إلي 1000 مجم متر3 بينما عملت الحكومة لصالح المصانع القديمة وطالبتهم بخفض الانبعاثات إلي 500 مجم متر3 كبداية حتي يوفقوا أوضاعهم، ثم تم تعديل هذا القانون منذ عامين ليتراوح حجم الانبعاثات بين 150 و200 مجم متر3. أضاف أن جميع المصانع الجديدة أصبحت بعيدة عن المناطق العمرانية حيث بدأ مركز تخطيط أراضي الدولة ينسق الأراضي الصناعية ما بين صناعات ثقيلة وخفيفة بعيدا عن الكتلة السكانية بما لا يؤدي إلي خطر التلوث. صناعات ثقيلة ويؤكد المهندس سمير علام "رئيس غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات" أن خطة دول الاتحاد الأوروبي تعمل علي الهروب بالاستثمارات الثقيلة من دول أوروبا ذات المساحات الخانقة والتي اكتظت بمصانعها واستغلال الصحاري العربية الشاسعة التي تستوعب ملوثات هذه الصناعة الثقيلة، مشيرا إلي عدم اكتراث المستثمرين بانخفاض تكاليف عوامل الإنتاج المساعدة من المحاجر والطاقة المدعومة وإنما ما يشغل فكرهم عامة هو خروج منتج نهائي بمواصفات متميزة تنافس السوق العالمي. ويري أنه علي الرغم من فرض رسوم تصدير علي الأسمنت وما صاحبه من ارتفاع أسعاره في السوق المحلي إلا أن أوضاع صناعة الأسمنت تسير في اتجاه إيجابي يبشر بازدهارها ونموها خلال الفترة المقبلة. ويشير محمد عجلان "رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية شباب الأعمال" إلي أن صناعة الأسمنت في مصر والدول العربية عامة من الصناعات الجاذبة للاستثمارات الأوروبية لعوامل وأسباب متعددة أهمها توافر الطاقة بأسعار منخفضة رغم حظر الدعم الحكومي عليها إلا أن أسعارها لن تقارن بالأسعار العالمية. كما أن أسعار ترخيص استغلال المحاجر منافسة لنظيرتها في أوروبا ويعد هذان العاملان سببين رئيسيين في الاتجاه الأوروبي للاستثمار في الشرق الأوسط وتأتي بعدها عوامل انخفاض أجور الأيدي العاملة مقارنة بالخارج إضافة إلي أهمية النشاط وتصاعد معدلات النمو فيه الذي يمثل حافزاً قوياً لزيادة الإنتاج. قال إن أهم ما يجذب المستثمرين إلي مصر أكثر من غيرها من الدول العربية موقعها الجغرافي الذي يمثل عنصر جذب تسويقياً ممتازاً للمستثمرين حيث يمكنهم التواصل مع أسواق الشمال الأوروبي إلي الجنوب الإفريقي خاصة أن حركة التنمية العمرانية في مصر والعالم العربي مازالت متعطشة للمزيد. وعن المخاوف من زيادة التلوث البيئي في مصر جراء زيادة عدد المصانع قال عجلان إن صحراء مصر شاسعة تستوعب المزيد من الصناعات، موضحا أن التلوث البيئي الناتج عن مصانع الأسمنت تم استيعابه وعلاجه في الماضي باستخدام الفلاتر وتطوير الصناعة. خريطة الإنتاج علي النقيض يري المهندس حسن راتب "رئيس الاتحاد العربي لمصنعي الأسمنت" انه رغم اتساع السوق العربي لطاقات انتاجية ضخمة إلا أن المستثمرين لم يتمكنوا من دراسة خريطة الإنتاج الأسمنتي في السوق العربي عامة وفسر ذلك باتجاه غالبية الدول العربية للاستثمار في قطاع الأسمنت، مؤكداً أن طاقة السوق الاستيعابية لا تتحمل كل هذه الطاقات. ويتفق مع الرأي السابق في أن السوق المصري يتسم بالموقع المتميز ورخص أسعار المحاجر والأيدي العاملة إلا أنه تحفظ علي عامل دعم الطاقة الذي يعتبره مؤثراً في المنافسة العالمية، مشيرا إلي أن الجزائر والسعودية تنوي اتباع سياسة دعم الطاقة للمنافسة في السوق التصديري.