تشهد السوق المصرفية حاليا توسعا من جانب البنوك في تقديم القروض الاستهلاكية وبالتحديد مع دخول البنوك الأجنبية والعربية بقوة في هذا المجال وهو ما يمكن ارجاعه لعدد من الأسباب أهمها حاجة المجتمع الماسة لمثل هذا النوع من القروض خاصة مع ارتفاع عدد السكان والذي وصل إلي 76 مليون نسمة وانخفاض مستويات المعيشة. ورغم أن هامش الربح الناتج عن القروض الاستهلاكية يتجاوز 6% و7% مع انخفاض نسب المخاطرة التي تتحملها البنوك مقارنة بقروض الشركات، إلا أن تكلفتها تعد مرتفعة حيث يحتاج هذا النوع من القروض لعدد ضخم من الموظفين لفتح الحسابات واعداد الدراسات الائتمانية واستكمال المستندات الخاصة بالقرض من كمبيالات وضمانات، ولتحصيل الأقساط وآخرين للمتابعة وفي حالات التعثر تتم الاستعانة بمكاتب خارجية للتعامل معها وهو ما يتم إضافته إلي تكلفة القرض ويتحملها العميل، فضلا عن تكلفة رأس المال والمتمثلة في الفائدة التي يقوم البنك بدفعها لعملاء الودائع. يري طارق حلمي الخبير المصرفي والرئيس التنفيذي السابق لبنك المؤسسة العربية المصرفية ABC مصر أن التوسع في القروض الاستهلاكية يحتاج إلي امكانيات بشرية كبيرة وكذلك توافر التقنيات الحديثة خاصة وأن تخزين ملفات العملاء يأخذ حيزا كبيرا في أنظمة الكمبيوتر، موضحا أن محفظة البنك من قروض الشركات والمصانع تصل إلي 2 مليار جنيه تتوزع علي 25 عميلا علي أكثر تقدير في حين أن محفظة الائتمان الاستهلاكي التي تبلغ 50 مليون جنيه تتوزع علي حوالي 1000 إلي 1500 عميل، ويحتاج هذا الكم من العملاء موظفين لفتح الحساب وإعداد الدراسات الائتمانية والمستندات الخاصة بالقرض من كمبيالات وضمانات وغيره، وآخرين لتحصيل الأقساط ومتابعتها، وفي حالة حدوث تعثر تبدأ إعادة الجدولة ومشكلات الملاحقة القانونية. ويري طارق أن البنوك العامة يناسبها التوسع في قروض التجزئة المصرفية والقروض الشخصية لأنها من الأنشطة الرابحة، بالإضافة لامتلاكها لفروع كثيرة منتشرة في أنحاء الجمهورية ولديها عدد ضخم من الموظفين، كما انها في طريقها لتحديث بنيتها التكنولوجية وذلك بالمقارنة بالبنوك الأجنبية والخاصة والتي لا تمتلك هذه الامكانيات، كما أن هذا النوع من الائتمان يعد من الأنشطة المربحة للبنك ونسبة المخاطرة فيه قليلة. ويؤكد هشام عبد العال مدير الائتمان والتسويق بالبنك العربي الإفريقي الدولي أن التكاليف التي يتحملها البنك نتيجة توسعه في القروض الاستهلاكية تمثل التكاليف الاعتيادية وتشمل تكلفة استثمار ودائع العملاء حيث يغطي القرض فائدة الودائع بالإضافة إلي مصاريف إدارية والتي تتمثل في مرتبات الموظفين في البنك وتكلفة المخاطر للعميل وهل يقوم بتحويل راتبه الشهري أم لا، وهل تضمنه الشركة أم لا وهل لديه وديعة، فكلما زادت الضمانات قلت درجة المخاطرة. ويوضح هشام أن الائتمان الاستهلاكي يعتمد علي انتشار فروع البنك المتخصصة في هذا النشاط، فنجد للبنك خمساً أو ست فروع في منطقة واحدة، وتكون مهمتها القيام بعمليات التحصيل ومتابعة السداد لقيمة القرض، ولذلك فهذه النوعية من القروض تحتاج إلي جهاز إداري كبير ومتابعة مستمرة. وأوضح هشام أنه في حالة التعثر يتم اسناد الأمر لمكتب تحصيل خارجي متخصص للتعامل مع الحالات المتعثرة تضاف تكلفة ذلك علي تكلفة القرض، وفي حالة التوقف عن السداد يتم الاستعانة بمكتب أو اثنين من مكاتب المحاماة المعتمدة لاتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة. ويري هشام أن التوسع في الائتمان الاستهلاكي يعد من الأمور المهمة والملحة في الفترة القادمة، كما أن دخول البنوك الأجنبية في هذا المجال بقوة نظرا لضخامة عدد السكان بالإضافة إلي أن متوسطات دخول الأفراد منخفضة وهو ما يعني أن الرغبة في الحصول علي القروض الاستهلاكية تزداد، ولذلك نجد أن البنوك الأجنبية التي دخلت السوق المصري مؤخراً تقوم بحملات دعائية وتسويقية ضخمة تتناول التوسع في منحها للقروض الاستهلاكية لأنها تعلم جيدا أن السوق المصري واعد ويتعطش لهذا النوع من الائتمان. وتعد تكلفة النقود أو cost fund من أهم التكاليف التي يتحملها البنك جراء توسعه في القروض الاستهلاكية كذلك المصاريف الإدارية وهو ما يؤكده إيهاب مسعود مدير أول فرع الهرم ببنك المؤسسة العربية المصرفية ABC، موضحا ان فوائد الودائع التي يتم دفعها لأصحابها تعتبر تكلفة، يضاف إليها 3% احتياطي البنك المركزي بالإضافة إلي المصاريف الإدارية والتي تتمثل في العمالة والأوراق وتكلفة القرض الفعلية. ويري ايهاب أن الاستعلام عن العملاء لم يعد يحتاج لاعداد ضخمة من الموظفين خاصة وأن البنك المركزي يتيح للبنوك امكانية الدخول والاستعلام عن أي عميل بتكلفة صغيرة ومعرفة هل هو مقترض من بنوك أخري وهل ينتظم في السداد كما أن البنوك تقوم بابلاغ البنك المركزي بكل عميل يقترض مبلغا يقدر ب30 ألف جنيه وفي حالة التعثر يتم وضعه في القائمة السلبية negative List ويقوم البنك بعمل تقارير شهرية توضح موقف العميل وهل هو منتظم في السداد أم لا؟. وأضاف ايهاب أنه تتم متابعة القرض من الفرع التابع له العميل فإذا ما تأخر عن السداد لمدة ثلاثة شهور يتحول إلي إدارة متابعة الديون ويتم اسناد القرض المتعثرة إلي شركة لتحصيل الديون تستطيع اتخاذ إجراءات أكثر صرامة مما هو متاح للبنوك لتحصيل الدين وفي حالة فشلها يبدأ في الإجراءات الجنائية مشيرا إلي أن البنك يتحمل تكلفة ذلك حيث يبدأ في عمل مخصص للدين يقدر ب50% في حالة التأخر عن السداد لمدة 3 شهور فإذا امتد التأخير إلي 6 شهور يتم عمل مخصص 100% وفي هذه الحالات يكون أي تحصيل للمديونية أرباحا صافية للبنك ولذلك يمكن اعتبار القروض الاستهلاكية من الأنشطة المربحة للبنوك خاصة وأن نسبة المخاطرة فيها قليلة. وتتساوي التكلفة التي يتحملها البنك بالنسبة للقروض الاستهلاكية وقروض الشركات غير أن الأولي تتميزبكونها منخفضة المخاطر أو بدون مخاطر وهامش الربح كبير حيث يؤكد أكرم يحيي مدير إدارة القروض المشتركة ببنك القاهرة أن توسع البنوك في القروض الاستهلاكية يرجع لكونها نوعا من الائتمان الذي يمكن تصنيفه بأنه بدون مخاطر مقارنة بائتمان الشركات. ويري أكرم أن التكلفة التييتحملها البنك واحدة خاصة وأن مصادر الأموال واحدة وهي ودائع العملاء موضحا أنه عند تسعير الخدمة يؤخذ في الاعتبار تكلفة هذه الأًموال وتعني بذلك الفائدة التي يدفعها البنك لأصحاب الودائع ويتم اضافة هامش يغطي الزيادة في معدلات التضخم وآخر لتغطية المصاريف الإدارية ومخاطرة النشاط وهامش للربح. ويؤكد أكرم أنه في حالة الائتمان الاستهلاكي يكون هامش ربح البنك أعلي بكثير من الائتمان الممنوح للشركات حيث يتراوح بين 6% و7% بالنسبة للاستهلاكية و3% و4% بالنسبة للشركات. وأوضح أكرم أن البنوك لكي تقلل من المخاطرة التي يمكن أن تتعرض لها قامت بنقلها لشركات التأمين حيث يقوم البنك بعمل وثيقة تأمين ضد خطر عدم السداد يدفعها العمل بنفسه.