منير عامر عجيب هو أمر الزمن حين يقلب أعمال الرجال كصفحات مطوية علي الرغم مما تحتويه الصفحات من تضحيات ومصاعب. كان هذا ما قلته لنفسي وأنا أقرأ خبر انتقال المقاتل الصلب مصطفي كامل محمود إلي الرفيق الأعلي يوم الأربعاء الماضي ولم يصلني الخبر إلا صباح الخميس حيث إني أقيم حاليا بالساحل الشمالي نظرا لأزمات الحساسية المتتابعة في الصدر وحيث الجو في تلك المنطقة لا يحمل هذا القدر الهائل من التلوث الذي تحمله القاهرة. كان اسم مصطفي كامل محمود قادرا علي العودة بي إلي عام 1966 حين التقيت به وكان عائدا من رحلة جمع معلومات عن إسرائيل فقد كان يعمل في أحد الأجهزة الحساسة وكان يغلي من فرط رؤية استعداد إسرائيل لأي مواجهة وكان في نفس الوقت يعاني من احباط جسيم فالأخبار التي جاء بها لقيت اهمالا من قبل شمس بدران وزير الحربية ومدير مكتب المشير عامر في ذلك الزمان وما أن أبلغ مكتب جمال عبدالناصر بالمعلومات التي جاء بها حتي تم تلفيق قضية له ومعه مجموعة من زملائه، وكانت قوة التلفيق في مكتب المشير عامر تفوق أي تصور فمنذ عام 1964 كان المشير عامر يعيش هاجسا بقرب الصدام بينه وبين جمال عبدالناصر لكن كانت شعبية ناصر هي الحائط الذي يمنع عامر من الاطاحة بعبد الناصر وكان الفارق بين العقليتين ومستويات الذكاء في الفريقين عاليا، الفارق في صالح جمال عبدالناصر علي الرغم من أن السلاح والمال في يد الفريق عبدالحكيم عامر. وهكذا وقع مصطفي كامل محمود بين مطرقة الخوف علي الوطن وترهل قيادة عبدالحكيم عامر وبين قدرة جمال عبدالناصر علي معرفة تفاصيل ما يجري ولا أريد أن أقول أني رأيت المقاتل مصطفي كامل محمود وهو في مستشفي ما حيث كان عليه أن يقضي فترة الاعتقال بأمر عبدالحكيم عامر في هذا المستشفي. كانت الصلة بيني وبين مصطفي كامل محمود قائمة علي أساس أنه شقيق لواحد من أصحاب الفضل علي في مسيرة عمري وهو السيد زغلول كامل أحد الضباط الأحرار وهو واحد من قلة بين هذه المجموعة من وضع الوطن فوق كل اعتبار ولذلك اصطدم مع العديد من طالبي التأليه والرضوخ. وحين جاءت النكسة كان خروج مصطفي من المعتقل أمرا حتميا وأصبح عليه أن يعيد صياغة مستقبله من جديد فبدأ في تصدير الورود إلي سويسرا وتنقل بين العديد من الأعمال كواحد من رجال الأعمال ثم أسس مصنعا للتغليف وكان هذا اخر مشواره. حين أتذكر ملامحه وأنا أكتب هذه السطور اراه هذا الفارع الفاره القامة العميق الإخلاص غير القابل للمساومة علي الولاء لمصر قبل الولاء لأي قيادة كانت، صعد الرجل إلي الرفيق الأعلي ولابد أن ملائكة الرحمة قد استقبلته بقدر ما أخلص لباقي المصريين ودفع ثمن ذلك مرارة واعتقالا علي الرغم مما اداه لمصر من جليل خدمات.