للشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء مملكة البحرين قول مأثور يردده كثيرا في مجالسه العامة والخاصة وهو ان قليل دائم خير من كثير زائل. ووفقا لهذا المفهوم فإن الشيخ خليفة انتهج سياسات اتسمت بالواقعية والاعتدال في قيادة التجربة التنموية في البحرين وهي سياسات أهلته أن يفوز بجائزة الأممالمتحدة للإنجاز المشرف لعام 2006 وهي جائزة رفيعة المستوي لم تمنح إلا إلي ستة قادة في العالم من قبل وتمثل تقديرا للجهود التي قام بها رئيس الوزراء البحريني في تطوير ودعم التنمية الاقتصادية في بلاده ومحاربة الفقر ورفع مستويات المعيشة للمواطنين. والجائزة التي منحت لرئيس وزراء البحرين جاءت لتثبت أن العالم غني بالتجارب التنموية الجديرة بالتأمل والإعجاب. فالشيخ خليفة بن سلمان الذي عاصر بداية الطفرة النفطية في منطقة الخليج كان أول من نبه وطالب بأن يتم استثمار هذه الثروة في التنمية البشرية لإعداد مواطن متميز يستطيع أن يكون له عطاء ومشاركة في مختلف المحالات الأخري التي تخص تنويع مصادر الثروة حتي لا يكون هناك اعتماد كلي علي النفط كمصدر أساسي للدخل القومي. وركز رئيس الوزراء البحريني في تجربته علي محورين، الأول هو التوظيف الجيد لموارد البحرين المحدودة نسبيا من النفط مقارنة ببقية الدول الخليجية والثاني هو الاستفادة من الطاقات والإمكانات البشرية التي أمكن إعدادها وتدريبها بشكل جيد لتكون قاعدة للصناعة البنكية والمصرفية والتجارية والسياحية في البحرين. ووجه الشيخ خليفة في ذلك إلي أن تتمتع البحرين ببنية تحتية من المرافق المتطورة والخدمات المتقدمة التي جعلت من البحرين مركزا ماليا ثابتا وراسخا في المنطقة. ولكن أجمل وأروع ما في التجربة البحرينية هو أنها أفرزت مجتمعا مختلفا قادرا علي التفاعل مع كل الثقافات والأديان، منفتحا علي الجميع في إطار من المحافظة علي أصالة المجتمع وجذوره، ودن تحلل أو إنسلاخ من الروح العروبية والقومية التي مازالت هي الأعلي ربما في دول الخليج العربية. وقدمت البحرين نموذجا وتعريفا جديدا لمعني المواطنة و"البحرنة" فشعار البحرنة الذي ارتفع في البحرين مثل كل الدول العربية التي تحولت إلي الاهتمام بالذات القطرية أولا لم يكن شعارا انعزاليا عنصريا، بل كان مفهوما جديدا يعني تسخير كل الطاقات والإمكانيات المتوافرة علي أرض البحرين من أجل "البحرنة" فالمعني ليس مقصورا علي "بحرنة" الوظائف بقدر ما هو مفهوم أعم وأشمل لبحرنة الأهداف والتوجهات، فقد تكون هنديا أو أمريكيا أو مصريا تعمل في البحرين ولكنك تصبح مواطنا بحرينيا في الحقوق والواجبات مادمت تعمل في إطار السياسات التي تخدم المجتمع. وهي مفاهيم عصرية تحررية أدت إلي إحساس كل مواطن مقيم في البحرين بأنه جزء من التجربة وأن عليه أن يقدم أفضل ما لديه في مجتمع الفرص المفتوحة الذي لا يفرق بين الجنسيات ولا بين المواطن والمقيم، فالمعيار الأساسي هو العمل والتميز والإلتزام بالقانون. وبنجاح الشيخ خليفة في إيجاد بيئة مناسبة للإنتاج والعطاء فإن المجتمع البحريني رأي في العمل التزاما أخلاقيا ومهنيا مشرفا، لذلك لم يجد المواطن البحريني غضاضة في أن يقبل بكل الوظائف المتاحة، لا فارق في هذا بين وظيفة مكتبية ذات دخل مرتفع ووظيفة ذات دخل محدود تستلزم جهدا هائلا وساعات عمل طويلة كما يعمل العديد من الشباب في محطات الوقود وفي أعمال المقاولات والإنشاءات وجميع الحرف اليدوية. وكما كون الشيخ خليفة مع شقيقه الأمير الراحل الشيخ عيسي بن سلمان آل خليفة ثنائيا رائعا في بناء البحرين الحديثة منذ تحرر البحرين من الوجود البريطاني في أوائل السبعينيات فإنه شكل أيضا مع إبن شقيقه الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة ملك البحرين حاليا جناحي التقدم والتطور للبحرين حاليا، فقد قاد الملك البحرين نحو مسيرة التحول الديمقراطي بسلاسة وفي إطار الخصوصية البحرينية وفيما يعرف بأنه المشروع الإصلاحي للملك، وسانده رئيس الوزراء في ذلك بدفع وتيرة المسيرة التنموية والاقتصادية من منطلق أن التحول السياسي الديمقراطي لابد أن تدعمه طموحات اقتصادية مماثلة تهدف إلي تحقيق الرخاء وتحسين الأحوال المعيشية. ويركز الشيخ خليفة إلي جانب ذلك علي الأهداف الرئيسية لحكومته في الاهتمام بالصحة والتعليم والإسكان وهي الخدمات التي كانت في البحرين سباقة في تقديمها لمواطنيها بشكل متميز ومتصل، فالعلاج في البحرين يقدم بالمجان، كما أن التعليم أيضا مجاني، والمشاريع الإسكانية هي لجميع المواطنين وفي إطار تقديم المساكن لهم أو القروض الإسكانية الميسرة التي تسهل بناء المساكن، وإن كانت البحرين تعاني حاليا من ضغوط كثيرة وطلبات مؤجلة علي الوحدات الإسكانية وذلك أمر طبيعي في ظل النمو السكاني المتزايد، ولطبيعة المجتمع البحريني التي لا تحبذ فيها الأسر الإقامة في الشقق وتفضل بدلا من ذلك أن يكون لديها "الفيلا" الخاصة بها والتي تمنحها الراحة والخصوصية. وإذا كنا علي أية حال قد خصصنا مقال اليوم للتحدث عن رئيس وزراء البحرين وتجربته التنموية فإن هذا منطلق الاعتزاز بأن شخصية عربية قد استطاعت أن تجذب انتباه واهتمام الأممالمتحدة ومنظماتها المتخصصة إلي إنجاز يعكس الإسهام العربي في صنع الحضارة الكونية ويجذب العالم إلي الحديث عن العرب من منطلقات جديدة بعيدا عن الحديث الذي يعترف بنا دائما وهو الإرهاب والصراعات السياسية والقضايا العالقة. فكل التهنئة للشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ولشعب البحرين القريب من مصر فكرا وتلاحما هذا الإنجاز المشرف الذي نعتز به ونفخر به. [email protected]