عندما تخفت كل الاضواء وتهدأ حركة الحياة خلف النوافذ الزجاجية في المدن الصغري بالاراضي المنخفضة "هولندا"، تبقي "ديلفت" ساهرة صاخبة تنبض بالحياة وتتفاخر بآثارها التي تجمع ما بين القديم العريق والعصري المتطور، فهذه المدينة الصغيرة، التي امسكت بالمجد من اطرافه، وتبدو لمن يقترب منها وكأنها لوحة فنية ألوانها زاهية، تعد موطن صناعة البورسلين، او بالأحري الذهب الازرق، وكما يحلو لسكانها ان يطلقوا هذه التسمية علي صناعة توارثتها الاجيال المختلفة عبر ما يربو علي ثلاثة قرون. فمدينة ديلفت هي اول واشهر مدينة تصنع البورسلين ولها في مضمار هذه الصناعة الفنية خبرة طويلة تمتد الي 335 عاما في مجالات السيراميك الفني للجدران وانتاج الخزف الملكي، ومن ثم ليس غريبا ان تزخر المدينة بالعديد من الورش الصغيرة المتخصصة في صناعة قطع وتحف فنية رائعة من البورسلين، او الذهب الازرق، الذي استطاعت المدينة ان تغزو من خلاله مختلف اسواق العالم وتصدر منتجاته المتنوعة الي العديد من الدول شرقا وغربا حيث تقدر قيمة هذه الصادرات من الذهب الازرق في الوقت الحاضر بمئات الملايين من اليورو. ومن خلال هذه الصناعة اليدوية التي لا تستخدم فيها الميكنة او الآلات الحديثة، يمكن للزائر ان يعرف تاريخ هولندا وتاريخ مدينة ديلفت وتطورها الحضاري، وقد سجل الفنانون والصناع المهرة هذا التاريخ من خلال الكتابات والرموز علي الاطباق والقطع الفنية. ودقة صناعة البورسلين الازرق بمختلف اشكالها تحير الزائرين للمدينة وتبهرهم، حيث يستقبل مصنع البورسلين الرئيسي بالمدينة اكثر من ربع مليون زائر سنويا معظمهم من السياح، وتصل اسعار القطع الفنية ذات اللون الازرق المتميز الي أرقام خيالية تفوق في بعضها قطع الذهب، ومن ثم لم يكن غريبا ان يطلق علي البورسلين اسم الذهب الازرق. وينتج مصنع البورسلين الرئيسي "فليس" من كل قطعة فنية او منظر قطعة واحدة لا تتكرر حتي تمتاز بالندرة الخاصة، ولا يمكن تكرار النسخ الا بالطلب، وهو ما يكلف اكثر، وقد تطورت استخدامات البورسلين للجدران المزخرفة حتي باتت تستخدم كواجهات كاملة للمباني حيث تعطي هذه المباني انعكاسا فنيا ملونا رائعا يعطي بدوره ابعادا رائعة للعديد من هذه المباني بالمدينة من مدارس ومستشفيات ومطارات وغيرها. وصناعة البورسلين في ديلفت ممتدة خلال العصور في عمليات التحميص وصناعة الآلاف من قطع الفخار المزجج بالذهب والمعادن النادرة التي تتخذ العديد من الالوان والاشكال وهو ما قد جعل تلك المنتجات تمتد الي خارج الحدود، وقد وجدت صناعة البورسلين في ديلفت رواجا في اسواق العالم نظرا لدقة الصناعة الفنية لقطع الفخار والصهر والتزجيج الملون في افران تتراوح درجة حرارتها ما بين 1110 و1200 درجة مئوية، ويوجد في ديلفت قطع السيراميك الاثرية التي صممها عدد من كبار الفنانين في هولندا، ويتم توريد هذه القطع لدول غرب اوروبا مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا واسبانيا وايضا الي امريكا الشمالية والجنوبية واندونيسيا كما تم توريد اجمل القطع والمنتجات من البورسلين الي العديد من بلدان الشرق الاوسط.