أجهد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الشعب الفلسطيني قبل أن يجهد الذين عملوا علي تشكيلها فطوال عام من النزيف الفلسطيني المتواصل والحصار الذي أحرق الاخضر واليابس، وحالة الانفلات الأمني التي طالت رقاب الجميع، تنفس الفلسطينيون الصعداء فور الإعلان عن اكتمال تشكيل حكومة الوحدة الحادية عشرة. فماذا بعد هذه الخطوة المتقدمة والكبيرة؟! وما الأعباء والأحمال المنوطة بها علي المستويين الداخلي والخارجي؟ وكيف ستتعامل اسرائيل مع هذه الحكومة رغم مسارعتها بالإعلان عن الرفض الكامل للتعامل معها أو مع وزرائها؟ إن نجاح هذه الحكومة يعتمد علي أمرين أساسيين: أولهما هو كيفية انجاح الشراكة الفلسطينية - الفلسطينية أي فتح وحماس القطبين الأكبر جماهيريا وحزبيا بمعني محافظة كلا الطرفين علي نفس القدر من التعاون والمشاركة في كل الأمور التي ستواجه الحكومة في الأيام المقبلة سواء علي الصعيد الداخلي أو الدولي والعمل معا علي توحيد المواقف وتسيير الأمور الحياتية للمواطنين بعيدا عن المصالح الحزبية والفئوية وبالذات عندما يتعلق الأمر بالقضايا المعلقة مع اسرائيل والتي تحاول جاهدة لتشتيت شملهم والتفريق بينهم عبر إعلانها المتكرر بانها لن تتعامل مع وزراء حماس أو مع الحكومة برمتها وإنما ستقتصر بالاتصال علي الرئيس محمود عباس وتقوية جبهته في اشارة خبيثة إلي زرع فتيل الفتنة من جديد بين مؤسستي الرئاسة والحكومة ناهيك عن سعيها الدءوب والمستمر في حشد الرأي العام الغربي الأوروبي والأمريكي لرفض التعامل مع الحكومة الحالية والتحريض المستمر عليها عبر المحافل الدولية فإذا ما تحقق العامل الأول في ايجاد حالة من التوافق السياسي وتعميق اقامة نظام الشراكة فإن الأمر الثاني الذي يتوقف علي نجاح هذه الحكومة وهو مستوي القبول والتعامل الإقليمي والدولي معها بكثير من الاصرار والجهد سيأخذ منحي آخر غير الموجود حاليا من التشدد الدولي إزاء هذه الحكومة حتي تستطيع فك العزلة السياسية والحصار الاقتصادي. وبلا شك فإن اتفاق مكة قد جسر الهوة السحيقة بين البرامج السياسية المتعددة التي تشكل منها المشهد السياسي الدموي في الآونة الأخيرة وسقط بسبب هذه التعددية الكثير من الشهداء والجرحي خصوصا بعد اجماع القوتين الأكبر فتح وحماس علي برنامج سياسي محكوم وقد جاء برنامج الحكومة أقرب ما يكون الي برنامج منظمة التحرير الفلسطينية التي ستتولي ملف المفاوضات مع اسرائيل في حين رفضت الحكومة الحدود المؤقتة وتجنبت الاعتراف صراحة بإسرائيل أو بند العنف وان امتنعت عن ذكر المقاومة المسلحة وتعهدت بتوسيع الهدنة والعمل علي اطلاق سراح الجندي الاسير "جلعاد شاليط". وبلا شك أيضا ان الأيام القادمة حبلي بالكثير من الأحداث والتحركات الحثيثة سواء كانت متسقة أو متناقضة بين مؤسستي الحكومة والرئاسة ولعل الكلمات التي ألقيت في افتتاح جلسة منح الثقة للحكومة لكل من الرئيس عباس ورئيس الحكومة هنية والتي وإن بدت تصالحية وودودة في مقاصدها ومراميها إلا أن كلا من الكلمتين عبرت عن اهدافها المعلنة سلفا أو تلك المستجدة كما في البرنامج الوزاري لحكومة الوحدة والذي اقترب من برنامج منظمة التحرير الفلسطينية فبينما سعي عباس إلي حض اسرائيل علي العودة الي طاولة المفاوضات للتوصل الي حل نهائي للقضية الفلسطينية عمد هنية الي عدم ذكر اسرائيل في البرنامج الوزاري، ومع ان هنية امتنع في برنامج الحكومة عن نبذ العنف او الاعتراف باسرائيل وهما شرطان وضعتهما الرباعية اضافة الي شرط ثالث وهو الالتزام بالاتفاقات الموقعة مع اسرائيل إلا أن كثيرا من القضايا المشتركة ورد في خطاب عباس وبرنامج الحكومة الذي تلاه هنية ومنها اشارة الرئيسين إلي حدود الدولة الفلسطينية المأمول اقامتها فوق الاراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس ورفضهما الدولة ذات الحدود المؤقتة وتعهدهما العمل علي حل قضية الجندي الاسير فضلا عن احترام قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة مع اسرائيل او قرارات القمم العربية بما فيها مبادرة السلام العربية. إن من أهم الواجبات الملقاة علي عاتق هذه الحكومة الآن ان تقوم علي رعاية مصالح الشعب الفلسطيني وتترجم ذلك الي واقع عملي خصوصا في مواجهة الواقع الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون في دائرتي الاقتصاد والأمن حيث الفقر والبطالة والفوضي الأمنية التي تعصف باركان المجتمع والتي عجزت الحكومة السابقة عن مواجهتها حتي تجذرت فيها الخلافات واستفحلت في كل مناحي الحياة وبات واجبا مواجهتها بكل جدية وحزم.