المراقب للاحداث والتطورات السياسية في الاراضي الفلسطينية هذه الايام يتسلل الي نفسه التشاؤم واليأس من امكانية الخروج من المأزق الذي يحاصر السلطة الفلسطينية من كل جانب خاصة بعد السجالات والمشاحنات الاخيرة المعلنة بين الحكومة واللجنة التنفيذية والرئاسة التي جاءت لتشير الي ان التقدم في المشاورات باتجاه تشكيل الحكومة يجب ان يصطدم بعقبات تحول دون ان يعني هذا التقدم شيئا والحكومة التي بات تشكيلها وشيكا تصبح في خبر كان بعد الاتهامات المتبادلة بين حكومتين كل منهما تنفي الاخري ولا تدخر تهمة الا وتعصف بها في وجه الثانية والحال كذلك فان هناك اسبابا وجيهة للحيلولة دون ان تمضي المشاورات قدما وان مضت المشاورات فهي مهددة كل لحظة بسبب ما لوقفها وعدم وصولها الي النتيجة المطلوبة، فعجز الحكومة الحالية عن توفير رواتب الموظفين لاكثر من 6 اشهر الامر الذي افضي الي اعلان العصيان المدني او الاضراب وهذا ما رفضته حماس بالاضافة الي تعالي الاصوات من جميع اطياف العمل السياسي الفلسطيني تطالب حماس بحل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعتمد في برنامجها السياسي مبادرة السلام العربية التي اقرت في قمة بيروت وتتضمن الاتفاقية الاعتراف باسرائيل وهذا بالطبع ترفضه حماس بلا مناقشة ورغم الاتصالات المكوكية التي يقوم بها محمود عباس مع قيادات حماس للاتفاق علي تشكيل هذه الحكومة الا ان المفاوضات بين الطرفين لم تفض الي نتيجة مشجعة الامر الذي جعل الرئاسة تصدر بيانا باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تعلن فيه ان جهود الرئيس عباس ولقاءاته في غزة لم تصل الي اي نتيجة وذهب البيان الي ابعد من ذلك عندما اتهم حماس من دون ذكر اسمها بالمماطلة والتسويف من اجل كسب الوقت وان استمرار هذا الوضع سيصل بالشعب الفلسطيني وقضيته الي مزيد من التدهور والعزلة الاقليمية والدولية. وفي تصريح هو الاول من نوعه بادر رئيس الوزراء اسماعيل هنية بشن هجوم علي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية متهما اياها بالتحريض السافر علي حكومته وقال صراحة: البعض يحاول إقرار الاضراب من خلال توسيعه والتحريض علي الحكومة وزاد انه يسجل استغرابه من موقف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي دأبت علي التحريض علي الحكومة بطريقة ساخرة.. الخ. هذا التصريح عكس توترا ملحوظا في اوساط القيادة الفلسطينية وارتفاعا في حدة الحوار الدائر بين الرئاسة والحكومة فالاتهام موجه للرئيس عباس بشكل مباشر وباقي اعضاء اللجنة التنفيذية، وهو تصعيد يوتر اجواء الحوار الفلسطيني التي تسعي اطرافه الي السيطرة علي انفعالاتها والالتفاف حول هدف واحد هو الخروج من المأزق الحالي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني قاطبة من حصار مالي واقتصادي وسياسي. ان المأزق الحقيقي الذي تجد الحكومة والرئاسة نفسيهما فيه هو كيفية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية علي قاعدة ترضي الطرفين المتنافرين، عباس من جهته توجه الي غزة للقاء قادة حماس والاستماع الي ردهم بشأن عرضه تشكيل حكومة وحدة وطنية لحاجته الي اتفاق وطني قبيل توجهه الي نيويورك لالقاء خطاب في افتتاح الدورة الجديدة للجمعية العامة للامم المتحدة في الثاني والعشرين من الشهر الجاري لكنه وحسب مصادر مقربة منه لم يسمع سوي الوعود ذاتها بالدراسة والبحث من حركة حماس وهو ما اثار استياءه فالرئيس يعرف انه ليس لديه الكثير من الوقت ويعرف ايضا ان عليه ان يتوجه الي نيويورك وفي جعبته شيء يقوله للعالم والاطراف المؤثرة وحماس لا تمنحه شيئا يعتمد عليه في ذلك وهو ما اثار غضبه. اما حماس فتنحو باللائمة في عدم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية علي مساعدي الرئيس محمود عباس وتؤكد ان عددا من مساعدي عباس يسعون لاحباط جهود تشكيل الحكومة لانهم يريدون لحكومة حماس الحالية ان تفشل امام الحصار المفروض عليها وزادت ان الحركة لها مصلحة قوية في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في هذه المرحلة التي تواجه فيه ازمة كبيرة متمثلة في اضراب الموظفين المطالبين برواتبهم التي لم تستطع الحكومة توفيرها بسبب الحصار المفروض عليها وتوجه حماس اصابع الاتهام في ذلك الي عدد من المقربين لعباس في مقدمتهم عضو اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه الذي شن اخيرا هجوما شديدا علي الحكومة واتهمها بالفشل والكذب. ان المخاوف الحقيقية التي لا يخفيها بعض مساعدي عباس عدم رغبتهم في تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس علي اساس وثيقة الاسري فحكومة من هذا النوع حسب تقديرهم ستتعرض للحصار ولن تكون افضل من سابقتها فالادارة الامريكية ابلغت عباس انها لن تتعامل مع حكومة لا تستجيب صراحة للشروط الثلاثة المتمثلة في الاعتراف باسرائيل ونبذ العنف واقرار الاتفاقات السابقة وفي حال مشاركة حركة فتح حماس في حكومتها فان حركة حماس ستغرق وتغرق معها فتح وفي حال دخول حماس منظمة التحرير الفلسطينية فان امريكا ستعلن عنها اي منظمة التحرير منظمة ارهابية وتري هذه الجهات ان الخيار الوحيد امام حماس هو الموافقة علي البرنامج السياسي الذي اقترحه الرئيس عباس في كتاب التكليف الذي يقوم علي اساس قبول مبادرة السلام العربية.. ووسط هذا الجدال الدائر والساخن حول شكل وبرنامج الحكومة القادمة يري محللون انه ما لم يتفق الفلسطينيون علي حكومة وحدة وطنية علي اساس وثيقة الوفاق الوطني "وثيقة الاسري" فانهم سيواجهون واحدا من خيارين الاول انهيار السلطة والثاني الدعوة الي انتخابات مبكرة وفي كلتا الحالتين فان حكومة الوحدة الوطنية تسير الي المجهول الذي ينذر بانيهار السلطة بشقيها حكومة ورئاسة!