ما إن تطأ قدماك ارض مطار القاهرة حتي تجد موظفا يسارع إليك مادا إليك يده بورقة خضراء ويطلب منك ملأها علي وجه السرعة وتسيلمها للموظف المختص عند بوابة الجمارك التي يخشاها كثير من المسافرين. الورقة تشبه الي حد كبير تلك الورقة التي تقوم بملئها وانت في الجو أو عقب الهبوط مباشرة وتقدمها لموظف الجوازات حيث تطلب منك الورقتان ملء بيانات تتعلق بالاسم الثلاثي ومحل الميلاد وتاريخ الميلاد ورقم جواز السفر والجهة الصادر عنها ورقم الرحلة والدولة القادم منها. كما تطلب الورقتان بيانات عن محل الاقامة والمهنة والجنسية والدولة واسماء المرافقين لك وتاريخ صدور جواز السفر وتاريخ الانتهاء. لكن الورقة الخضراء التي يطلق عليها اسم "إقرار الجمارك" تطلب منك الاجابة علي عدد من الاسئلة بنعم أو لا.. من بين هذه الأسئلة: * هل في حوزتك اكثر من 10 آلاف دولار أو ما يعادلها؟ * ما عدد الحقائب التي في حوزتك؟ * هل لديك أشياء تخضع للجمارك؟ هذه ليست النصوص الكاملة للأسئلة المطروحة في "اقرار الجمارك" المطلوب من كل مسافر ملؤه حتي ولو لم يكن في حوزته شنطة واحدة، واللافت للنظر ان معظم المسافرين يقرون في الاقرار انه ليس لديهم اشياء تخضع للجمارك سواء كانت اجهزة كهربائية أو سلعا أو ملابس. والغريب أيضا ان موظفي الجمارك يجمعون الاقرارات من المسافرين دون التأكد من البيانات الواردة فيها وما إذا كانت صحيحة أم لا المهم هو جمع اكبر كم من الاقرارات والتأكد من قيام كل مسافر بتقديم هذا الاقرار عقب تحرير البيانات المطلوبة. وما يلفت نظر الشخص الذي يسافر كثيرا هو ان اقرار الجمارك المصري غير موجود في معظم مطارات العالم وان بعض المطارت وعلي رأسها المطارات الامريكية تطلب منك الافصاح عن اي نقد اجنبي في حوزتك يزيد علي 10 آلاف دولار اما المطارات الاوروبية فلا تطلب مثل هذه الاقرارات. وما يهمنا في الاقرار شيء واحد يتعلق بحيازة النقود سواء الاجنبية او المحلية وضوابط الافصاح عنها خاصة وان العديد انتقد اقرار الجمارك الجديد الذي أصبح علي كل راكب قادم الي مصر ان يوقعه. لما في هذا الوقت؟ وفي الوقت الذي يربط فيه البعض بدء اصدار اقرار الجمارك ومكافحة عمليات غسل الاموال القذرة الناجمة عن عمليات غير مشروعة علي رأسها الاتجار في المخدرات والسلاح والرقيق الابيض والآثار والرشاوي وغيرها إلا ان آخرين يتساءلون ايضا عن سر تأجيل العمل بهذا الاقرار منذ سنوات حيث ان قانون مكافحة غسل الاموال ولائحته التنفيذية صدر قبل أكثر من 3 سنوات. كما تم اتخاذ خطوات مهمة لمواجهة هذه الظاهرة العالمية من أبرزها تأسيس وحدة لمكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي لها طابع مستقل وتكوين اللجنة الوطنية العليا لمكافحة غسل الاموال التي تضم العديد من الجهات علي رأسها الداخلية والخارجية والأمن القومي والبنوك والبنك المركزي والتأمين والبورصة وسوق المال والبريد ومؤخرا تم توسيع صلاحيات وحدة البنك المركزي لتشمل بين مهامها مكافحة تمويل الإرهاب. كما تم ضبط عدة حالات غسل أموال تمت احالتها للجهات القانونية واصدار احكام مشددة بشأنها منها قضية الآثار الكبري المتهم فيها طارق السويسي. وعلي الرغم من أن اقرار القادم إلي مصر بالإفصاح عما يحوزه من نقد اجنبي في حالة زيادته علي 20 الف دولار او ما يعادلها علي جانب كبير من الأهمية والخطورة في آن واحد كما يقول عبد الفتاح سليمان المستشار القانوني فان السؤال المطروح: لماذا تطبق هذه الخطوة الآن؟ وإذا كانت الخطوة تتعلق بمكافحة غسل الاموال.. فما علاقة النقود بالملابس ولعب الأطفال والاجهزة الكهربائية التي تكون في حوزة المسافر؟ الأهمية والخطورة ولكن لماذا هذا الاقرار علي جانب كبير من الأهمية والخطورة؟ يجيب علي هذا التساؤل المستشار عبد الفتاح سليمان بقوله إنه تكمن الأهمية بالدرجة الأولي في قيام القادم بإيداع ما أحضره من الخارج من أموال نقدية بحسابه لدي البنك دون أن يتشكك البنك في مصدر تلك الأموال باعتبار أن ذلك القادم يقدم إلي البنك نسخة من إقرار الإفصاح مختومة وموقعة من الجمارك فلا يكون هذا الشخص محل شبهة لدي البنك. أما خطورة الإقرار بالإفصاح فتكمن في تأثيره السلبي علي السياحة وعلي المستثمرين الذين تسعي مصر إلي جذبهم.