انتهت أحداث اضراب عمال غزل المحلة بترضية "العاملين" واحتواء الحشود العمالية، في حين بقي "المسكوت عنه" تحت الرماد ينذر بحرائق أخري إذا انتشر فيروسها بين الشركات بنفس الطريقة.. اضرابات وتهدئة ثم ترضية ليعود الوضع إلي ما كان عليه. وإذا كانت الحقوق العمالية ومن بينها حق الاضراب عنصرا أساسيا في آليات اقتصاد السوق، تحاول العالم اليوم "الأسبوعي" رصد قضية "الاضرابات العمالية" وإثارة ذلك "المسكوت عنه" الذي قد نتفق علي ان هناك تحسنا في أوضاعه ولكن لا يمكن ان نختلف أبداً انه لا يرقي أبداً للمستوي المطلوب من الليبرالية السياسية واقتصاد السوق الذي نسعي إليه. بداية يشير عطية الصيرفي القيادي بحزب التجمع وأحد المشاركين في اضرابات العمال منذ منتصف القرن الماضي إلي ان مدينة المحلة كانت علي مدار تاريخ طويل واحدة من أهم المدن التي اخرجت أهم الاضرابات في مصر لعراقتها كمدينة صناعية وكثافة عدد العمال بها وهو ما كان يجعلهم قوة ضاغطة ومؤثرة علي أصحاب القرار، ويلفت الصيرفي إلي ان المحلة خرج منها اضراب عام 1938 وتم فيه مقاضاة حوالي ستين عاملاً في محكمة الجنايات وترافع عنهم أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة آنذاك واضراب آخر عام 1947 وقاده الشيوعيون وتحالف فيه الفلاحون مع العمال واضطرت الدولة لإنزال قوات الجيش للسيطرة علي الاضراب من شدة قوته واضراب ثالث عام 1974 قاده الشيوعيون والناصريون ونتج عنه سريان قانون الإصلاح الوظيفي علي عمال القطاع العام. ويعتبر الصيرفي ان خروج اضراب بقوة اضراب المحلة في هذه الفترة التي تتسم بالركود يمثل صحوة عمالية ولكنها لن تجد من يحتويها حيث يشير الصيرفي إلي ان المفكرين والسياسيين لا يشاركون العمال همومهم فمن ناحية ينغلق المفكرون علي انفسهم ولا يحتكون بالعمال ومن ناحية أخري لا توجد أي قوة سياسية حاليا تهتم بالعمال فجماعة الإخوان المسلمون حسب تعبيره تقوم علي الفكر الرأسمالي ولا تهتم بالصراع الطبقي وحتي الأحزاب اليسارية كحزب التجمع لا تقوم بدور كافٍ في هذا المجال، كما يشير الصيرفي إلي ان الصحافة لم تعد تهتم بالعمال واختفت الصحف العمالية المتخصصة كالطليعة والكاشف والتي كانت تقوم بدور كبير في تنمية الوعي العمالي كما اختفت شخصية العامل المثقف الذي كان يوجه هذه الاضرابات، كما يشير الصيرفي إلي ان اتحاد النقابات العمالية يلعب دوراً سلطويا أكثر منه داعما للحركة العمالية. قصور نقابي ويضيف خالد علي "محام" متخصص في القضاء العمالي وناشط حقوقي بمركز هشام مبارك علي الأسباب السابقة ان المؤسسة النقابية العمالية أصبحت من العوامل المقيدة للحركة العمالية حيث لم تعد تمثل مصالح العمال فهي عادة ما يكون دورها سلبياً لصالح الحكومة أو منظمات الأعمال واحيانا ما تهدد العمال وتطالبهم بفض الاضراب كما ان اللجان النقابية داخل المصانع تفتقد للاستقلالية نظرا إلي ان وزارة القوي العاملة واتحاد النقابات العمالية يشاركون في الإشراف علي انتخاباتها وهو ما يجعل هذه اللجان حسب رأيه تأخذ احيانا مواقف ضد العمال أنفسهم، كما يلفت أيضا إلي ان العمال محرومون من التحكيم في قضاياهم أمام القضاء العادي حيث يمثل عنصر التقاضي أهم العناصر الداعمة للحقوق العمالية وتحكم في قضاياهم اللجان الخماسية وهي لجان ذات صفة قضائية تشكل من اثنين من القضاة وممثل عن اتحاد النقابات العمالية وآخر عن اتحاد الصناعات وثالث عن وزارة القوي العاملة أي ان القضاء يمثل فيها الأقلية وهو كثيرا ما يفقدها جودة الأداء القضائي في القضاء الطبيعي كما قد يفقدها استقلالية القرار لتبعية ثلاثة من أعضائه لمؤسسات غير قضائية. إلا أن خالد يعتبر ان حركة الاضرابات العمالية لم تتغير كثيرا بعد اضراب المحلة فهي تسير بنفس المعدلات المعتادة ولكن الجديد هو الاهتمام الإعلامي بها ويري ان السبب في ذلك قد يعود إلي أحداث الانتخابات العمالية الساخنة في الفترة الماضية، ويؤكد ان هناك مشكلات مزمنة ستظل الوقود الدائم للاضرابات العمالية ما لم يتم حلها ومن ابرزها تدهور العلاقة بين اجور العمال والاسعار وتدهور خدمات التأمين الصحي وانهيار ضمانات السلامة والصحة المهنية داخل الشركات علاوة علي اسهام قانون العمل في اعطاء اصحاب العمل بالقطاع الخاص فرصة كبيرة للتخلص من العامل بدون تحمل اعباء كبيرة كما يعاني العمال في القطاع العام من فساد إدارات بعض الشركات وعدم حصول العمال علي نسبتهم من الارباح.