يبدو ان الديكتاتورية داء قديم سري في عروق المواطن العربي منذ آلاف السنين وتدفق في دمه عبر عصور طويلة من القهر والاستبداد.. وإذا ظهرت بوادر اصلاح او تغيير سرعان ما يظهر المرض ويجتاح اجهزة المناعة ويستسلم الجسد الهزيل في نوبة استبداد جديدة وأيام من القهر لا تنزوي ولا تضيع.. إذا نظرت الي الساحة العربية الان سوف تكتشف ان وجوه الاستبداد عادت تطل من جديد وان احلام الحرية سرعان ما تبددت امام عواصف القهر.. ومن هنا تجد الانقسامات التي اطاحت بكل شيء.. حتي في فلسطين الوطن المحتل عادت اشباح الخلافات بين رفاق السلاح وارتفع صوت الرصاص وسالت دماء الضحايا من ابناء الشعب الواحد.. وفي مصر حدث انقسام شديد في حركة كفاية اصغر اشجار الحرية في الشارع المصري وقبلها حدثت نفس الانقسامات في حزب الوفد العريق وفي حزب الغد الوليد وفي حزب الاحرار عشرات القضايا امام القضاء ولا يوجد حزب واحد في مصر الا وتدور فيه المعارك والصراعات.. وفي لبنان مشهد رهيب بين انصار المعارضة وانصار الحكومة واين هي الحريات كلها احلام مؤجلة وفي العراق تحولت صراعات الشعارات والعقائد الي طلقات رصاص وسقط الضحايا في كل مكان.. وفي اماكن اخري لا شيء غير القهر والاستبداد واذا ظهرت في الافق احلام بعيدة في زمن افضل سرعان ما يخبو الضوء وتتلاشي الاحلام امام واقع كئيب.. ولهذا فان احاديث الحريات والديمقراطية كلها احاديث موسمية مثل مواسم الطيور المهاجرة التي تستقبلها الشباك علي الشواطئ وسرعان ما تموت.. ولهذا فان اكثر الضحايا عندنا هم ضحايا الحريات لان اعمارهم قصيرة واحلامهم لا تدوم، انهم يتساقطون مثل اوراق الخريف واحدا بعد الاخر واذا نظرت الي الاشجار العارية عادت امامك صور الماضي الكئيب الذي لم يترك شجرة واحدة تكمل رحلتها لان القناص ليس بعيدا عنها.. انه يتربص بكل طائر يغرد وكل عصفور يحلق وكل نسمة هواء تعبر.. ولهذا وقفت شعوبنا حائرة امام طريقين: طريق صامت حزين بين ليالي الاستبداد.. وطريق موحش كئيب لأنه يرصد كل حركة ويتابع كل قدم تسير.. وما بين احلام الحرية.. وكوابيس الاستبداد تمضي رحلة الانسان العربي اقدم كائن في التاريخ ذاق طعم الاستبداد واستسلم له وكلما افاق من غيبوبته وجد نفسه غارقا في مستنقع جديد من الشعارات والاكاذيب.