هل يعقل أن يصدر تقييمان لاقتصاد بلد أو مجال محدد فيه وتختلف نتائجهما برغم اعتمادهما علي نفس البيانات؟ يحدث ذلك كثيرا في العديد من التقارير التي تصدرها العديد من المؤسسات المعنية علي اختلاف أنواعها والتي تزخر بها شبكة الانترنت والمطبوعات الاقتصادية الدولية. وكانت مصر من بين الدول التي تعرضت لهذا التناقض في التقارير المختلفة ونعرض في هذا الاطار تقريرين مختلفين لعام "2006" يتناولان موضوعين متشابهين الأول يتحدث عن حرية الاسواق والثاني عن الدول الأكثر اندماجا في العولمة، إلا أن الأول سجل أن مصر كانت من أكبر 10 دول في العالم حققت تراجعا في انفتاحها الاقتصادي بينما سجل التقرير الثاني تقدم مصر 4 مراكز في ترتيب الدول الساعية للعولمة. ويبقي السؤال: لماذ يحدث ذلك.. والأهم كيف يحسم المستثمر الأجنبي أو المحلل الاقتصادي المهتم موقفه وسط هذه النتائج؟.. هذا ما سنحاول مناقشته والاجابة عنه نبدأ مع تقرير مؤسسة التراث وهي هيئة أمريكية دولية انشئت عام 1973 كمؤسسة بحثية وتعليمية وينطلق التقرير من فرضية "ان تحرير السوق يقترن بزيادة معدلات النمو وزيادة معدلات الدخل وهو ما تم التدليل عليه من خلال قياس الزيادة في النمو والثراء بالدول ال157 محل الدراسة ورصد تطور هذه المؤشرات بالدول التي تتجه لفتح سوقها بشكل أكبر واحتلت مصر وسط هذه الدول المرتبة 128 وتم ادراجها ضمن دول (mostly unfree) طبقا لمجموع ما حصلت عليه من درجات في المؤشرات العشرة التي يحدد علي اساسها التقرير مدي اتجاه السوق لتحقيق حرية الاستثمار وهي السياسة التجارية والعبء المالي للحكومة وتدخل الحكومة في الاقتصاد والسياسة المالية وتدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية والبنوك والمالية العامة والأجور والأسعار وحقوق الملكية والتشريعات والقضاء والسوق السوداء ويتم التعبير عن نتائج هذه المؤشرات من خلال الدرجات بين الرقم 1 وحتي الرقم 5 والدول التي تكون أقرب للواحد الصحيح هي الأعلي في مؤشر الحرية الاقتصادية والدول الاقرب للرقم 5 هي الأدني في هذا المؤشر، ويعتبر ترتيب مصر في هذا التقرير متأخرا عن دول عدة بالمنطقة كالبحرين والتي جاءت في مقدمة دول المنطقة في المركز 25 علي مستوي العالم تليها إسرائيل في المركز 36ثم الكويت 50 والأردن 57 والسعودية 62 وسجل التقرير تراجع الحرية الاقتصادية خلال العام الماضي بمعدل 16 درجة وبذلك دخلت في قائمة أكبر 10 دول حققت تراجعا في انفتاحها الاقتصادي وتنضم إليها أيضا من دول المنطقة دولة الامارات. ومن أبرز الانتقادات التي وجهها التقرير تلك التي شهدت تطورا كبيرا خلال الايام الماضية حيث يشير إلي أن هناك 55 بنكا أقرهم البنك المركزي منهم 4 بنوك تجارية تابعة للقطاع العام و14 بنكا أجنبي غير تجاري وهو ما اعتبره التقرير استمراراً لسيطرة الدولة علي العمل المصرفي وقال إن الحل الوحيد لدخول هذا السوق يكون من خلال شراء بنك موجود بالفعل وهو الوضع الذي تغير بعد صفقة بيع بنك الاسكندرية كما يعتبر أن الحكومة حققت انجازات في رفع يدها عن التحكم في أسعار بعض القطاعات إلا أن هذا لا ينطبق علي القطاعات التي دائما ما تستثني من هذه الخطوة كقطاع الطاقة والدواء والمواصلات وبعض الأغذية وهو الوضع الذي تغير أيضا بعد رفع الدعم عن "البنزين" في الفترة الأخيرة. أما تقرير منظمة أ. ت كيرني التابعة لمؤسسة كارنيجي وهي منظمة وقف دولية للسلام العالمي انشئت عام 1926 فيتناول قضية الاندماج في المجتمع العالمي والذي يعتمد هو الآخر علي معلومات عام 2004 فرصد تقدما في مصر حيث ارتفع ترتيبها من 59 حسب تقرير عام 2005 إلي 55 في تقرير هذ العام وذلك من بين 62 دولة رصدها التقرير وتم تحديد هذا الترتيب علي أساس 4 مؤشرات وهي المؤشر الاقتصادي وحصلت فيه مصر علي المركز 42 وتم قيامه علي اساس مؤشرين "للتجارة" والاستثمار الأجنبي المباشر أما المؤثر الثاني فهو مؤشر الاتصال الشخصي وحصلت فيه مصر علي المركز 43 ويقاس علي أساس مؤشرات "الرحلات" وتحويل الأموال ومؤشر "التليفون" ووصلت مصر في المؤشر الثالث وهو المؤشر التكنولوجي إلي المركز 53 علي أساس مؤشر "مستخدمي الانترنت" و"رعاة المواقع" ومؤشر "السيرفر" أما المؤشر الرابع وهو المؤشر السياسي فوصلت فيه مصر إلي المركز 59 ويقاس علي أساس مؤشر الانضمام للمنظمات الدولية و"التحول الحكومي" ونشاط الأممالمتحدة لحفظ السلام و"المفاوضات".. إلا أنه علي الرغم من تقدم مصر في هذا المؤشر إلا أنها تتأخر عن دول المنطقة فتسبقها إسرائيل في المركز 15 وتونس في المركز 37 والمغرب في المركز 40 والمملكة السعودية في المركز 44.