هل أصبح الكذب فضيلة والصدق نقيصة. هل أصبح الكاذبون هم الأفضل والصادقون ملعونين. هكذا فهمت من عمود الزميل الأستاذ سليمان جودة في جريدة "المصري اليوم" بالأمس ووصلت إلي هذه النتيجة بوضوح وجلاء، مناقضة لكل القيم والمفاهيم التي تعودنا وتربينا عليها.. "الصدق منجاة". وضع الأستاذ سليمان جودة أصابعنا، وفتح عيوننا علي عين الحقيقة قال: إن الوزير فاروق حسني وزير الثقافة غلطان لأنه لم يكذب! كان بإمكانه أن يقول "لم يحدث.. ولم أقل ذلك" وليس هناك ما يثبت أنه قال في دردشة غير مثبتة، ولكنه فضل أن يكون صادقا مع نفسه ومع الآخرين وأن يعبر عن رأيه وقناعاته وألا يكون بوجهين، بغض النظر عن موافقتنا أو اختلافنا مع آرائه. السؤال كما طرحه الزميل هل كان يجب علي فاروق حسني أن يكذب كما يفعل أغلب الناس؟. والسؤال الأهم، ما حجم الكذب في حياتنا والذي يمارس علينا حتي أدمنا هذا الكذب، واستعذبناه، واستعضنا به عن نقائصنا وعوراتنا الفكرية، والنفسية؟. عندما وضعنا تفرقة حادة وواضحة بين الشكل والمضمون. أسسنا لهذه الفلسفة، فالمهم أن تؤدي أشكال الأشياء أما مضمونها أو الهدف منها فهي مسألة أخري! كثيرون يتوجهون في صباح كل يوم إلي أعمالهم، يشغلون الطرقات، والشوارع، ووسائل المواصلات العامة والخاصة، في مكاتبهم ومصانعهم ومصالحهم، يتواجدون، يتناقشون، يتفقدون الأوراق، ولكن أغلبهم لا يؤدي ما عليهم من عمل، ومازالت إنتاجيتنا في حاجة إلي مواجهة. هذا نموذج واضح وفج للكذب، والانفصال بين الشكل والمضمون. علي المستوي الآخر، لدينا نواب في البرلمان رشحوا أنفسهم تحت لافتة "الإسلام هو الحل" وتحتها شعار الإخوان بوضوح، تحت أعين وبصر الجميع حكومة وأهالي، ودخلوا إلي البرلمان، ولكنهم يعتبرون مستقلين ألا يوجد في هذا حالة من حالات الانفصال بين الشكل والمضمون؟. كم صادق تعرض لمشكلة بل مشكلات، وكم كاذب نجا بكذبه، ماذا نريد أن نعلم أولادنا، وأي أشخاص نريد أن يكونوا هم أبطال المستقبل وبأي قيم نريد أن نزودهم؟. فكروا في الأهم، وكفاية ضحك علي أنفسنا.