علي طريقة السخرة قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية كان البرازيليون يساقون إلي غابات وأحراش الأمازون للعمل في استخراج المطاط المطلوب لاستمرار دوران اَلة الحرب المرعبة ومساندة الحلفاء وغرس هذا العمل كعمل وطني مجيد في نفوس الشباب. و"السيدنيوس سانتوس" كان واحدا من هؤلاء الشباب البائس الذي جند في الجيش البرازيلي عام 1942 عندما أوقفه ضابط وجنده في هذه المهمة الشاقة بغابات الأمازون التي تبعد 5 اَلاف كيلو متر عن موطنه لحصد محصول المطاط وشحنه إلي الولاياتالمتحدة. ورغم محاولة "دو سانتوس" التملص من هذا الواجب الوطني بحجة أن أمه أرملة تحتاج إليه للعيش وأنه عائلها الوحيد، ولكن لا اَذان تصغي وتم تجنيده مقابل 50 سنتا في اليوم ويحق له الانتقال مجانا إلي بلدته بعد انتهاء الصراع المرير والطويل. وبعد مرور أكثر من 60 عاما من انتهاء الحرب العالمية الثانية الكبري مايزال دو سانتوس ومئات من الفقراء البرازيليين ممن جروا إلي الخدمة جرا كالبهائم دون إرادتهم يكافحون للحصول علي اعتراف تاريخي برد اعتبارهم ويقر أنهم عملوا بنظام السخرة وللحصول علي تعويض مادي. ويقول اَخر ويسكن منزلا متواضعا في ولاية بأقصي غرب الأمازون البرازيلية: لقد عانينا بشدة وأقتربنا كثيرا من أن نلقي حتفنا وقد مات ومرض بعضنا بالفعل. وصمم برنامج جنود المطاط وفقا لاتفاق أبرم بين الولاياتالمتحدة والبرازيل بعد أن قطعت كل السبل بالولاياتالمتحدة للحصول علي المطاط بعد ضرب اليابان لميناء بيرل هاربر وعدم قدرتها علي استيراده من ماليزيا مصدرها الرئيسي واتفق الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت وديكتاتور الأرجنتين جيتليو فارجاس علي توفير المطاط اللازم مقابل ملايين من الدولارات تدفع للبرازيل. ووفقا لسجلات الحكومة البرازيلية استخدم في هذا البرنامج 55 ألف برازيلي وأغلبهم من شمال شرق البرازيل وأكثر المناطق فقرا وليس هناك في هذه السجلات معلومات عن عدد من ماتوا أو أصيبوا بأمراض في هذه الغابات والتوقعات ترجح أن نصف هؤلاء قتلوا في هذه الأحراش قبل استسلام اليابان عام 1945. ويقول سانتوس إن بعض الضحايا ماتوا من الملاريا فيما قضي اَخرون بسبب الحمي الصفراء، أو داء "البربري" وبعضهم قتلوا من لدغ الثعابين ولم تكن هناك أمصال أو أدوية كفيلة حتي بتقليل المعاناة.. وكانت الرعاية الصحية بالتالي معدومة كما انتشرت أمراض الالتهاب الكبدي الوبائي. والقليل من هؤلاء الجنود دخلوا طواعية إلي هذا البرنامج بتضليل من الدعاية الحكومية وبحجة جني أرباح كبيرة ومن هؤلاء شاب فقير يدعي "مايا" تطوع في البرنامج فرأي الجحيم بعينه.. عمل شاق ونظام غذائي غير صحي وقليل من المال بل إن حتي هذه الأموال القليلة التي كانت تدفع لهؤلاء الضحايا كثيرا ما انقطعت لشهور عديدة وظهرت حركات من التذمر والتمرد سرعان ما قمعت بواسطة نظام الديكتاتور جيتليو فارجاس. ويقول: كان العمل بالغ الصعوبة بالغ الإجهاد ويجري في ظروف غير صحية وخطيرة وكان جنود المطاط لا يظهرون إلا بعد منتصف الليل لينسابوا في الأحراش الموحشة في ظلام دامس لقطع الأشجار التي كان يتدفق منها سائل المطاط ثم العودة في وقت لاحق من اليوم نفسه لجمع العصارة التي كان تعبأ في أكواب. وبعدها تأتي المرحلة الثانية وهي "تحميص" السائل الأبيض وكبسه في شكل كروي والذي كان يزن في العادة حوالي 60 كيلو جراما وهي عملية لم تكن صحية بسبب تصاعد الأدخنة الضارة التي أصابت الكثيرين بالعمي أو بضعف النظر. ويضيف أحد المتطوعين أن هذا العذاب تواصل حتي عام 1946 عندما انتهت الحرب ولم تكن نملك أية وسيلة اتصال بالعالم الخارجي حتي ولو مجرد مذياع بسيط. وعندما علم سانتوس بانتهاء الحرب طلب من مديره العودة إلي دياره فنهره وطالبه بالعودة إلي العمل.. ومع شح النقود ووسائل المواصلات شبه المعدومة قرر الكثير من المسخرين في هذا العمل البقاء في الأمازون وإنشاء أسر وتشييد بعض المنازل البسيطة والاستمرار في العمل الوحيد الذي أتاحت لهم الظروف أن يتعلموه ويتمرسوه ومع ذلك مايزال أحفاد جنود المطاط أو "المسنين" منهم محلا للتجاهل والنسيان. والواقع أن البرازيل أصبحت علي ما هي عليه بسبب المساعدات الأمريكية والأموال التي دفعت لها بسبب إمدادها بالمطاط في الحرب والذي كان من المفترض أن يذهب جزءا من هذه الأموال إلي أصحاب هذه الملحمة التي اختلطت دماؤهم بتراب أدغال الأمازون وروت أشجار المطاط.. وفي عام 1988 سن تشريع حكومي لإعطاء معاشات لمن يعرفون بجنود المطاط قدرها 350 دولارا شهريا وهو ما يعادل عُشر الأموال التي دفعت لجيش التحرير البرازيلي الذي حارب بجانب الحلفاء في أوروبا. وقدم تشريع لإعطاء معاشات لمن تبقي من جيش المطاط في البرلمان عام 2002 إلا أنه دخل غرفة الإنعاش. ويقول سانتوس: كلما أري مراسم الاحتفال بيوم الاستقلال ويتم الاحتفاء بجيش التحرير البرازيلي في أوروبا أشعر بالأسي والحزن فبدون جنود المطاط لما تحقق النصر لأمريكا.