جاء تقرير التنمية البشرية الدولي هذا العام ليضع قضية "الأمن المائي" نصب أعين العالم حيث ركز علي قضية توفير المياه النظيفة وتصريف المياه المستعملة وتوفير الصرف الصحي كما ركز علي المياه كمورد انتاجي يشترك فيه سكان البلد الواحد ويعبر الحدود بين البلدان.. وأبرز التحديات التي تواجهها الحكومات في الوقت الحالي. تلك التي تتعلق بإدارة المياه علي نحو من الإنصاف والكفاءة. علي الرغم من أن ترتيب مصر في تقرير التنمية البشرية هذا العام جاء متقدما عن العام الماضي حيث كانت مصر في تقرير عام 2005 في المركز 119 اما هذا العام فوصلت الي المركز 111 من بين 177 دولة وهو ما جاء مدفوعا بالارتفاع في موشرات التنيمة ومن أبرزها الارتفاع في معدل الالمام بالقراءة والكتابة والذي ارتفع من 55.6% العام الماضي اي 71.4% الا ان تفاصيل الاداء الاقتصادي لمصر طبقا لما رصده التقرير تحمل الكثير من المؤشرات التي تستحق ان تسلط عليها الضوء. ففي مؤشر عدم المساواة في الدخل او الانفاق والذي رصده التقرير في عام 1999 من خلال الدليل "الجيني" والذي تمثل فيه القيمة "صفرا" مساواة تامة.. والقيمة "100" عدم مساواة تامة. وكان الدليل الجيني لمصر 4.34 نقطة وهو ما يعكس قضية توزيع الدخل في مصر والتي أثير حولها الكثير من الجدل كذلك رصد التقرير في مؤشر "هياكل التجارة" ان نسبة صادرات السلع والخدمات من الناتج المحلي الاجمالي ارتفعت من 20% عام 1990 الي 29% في عام 2004 الا ان التقرير رصد ايضا نسبة الصادرات الأولية من البضائع والتي ارتفعت من 57% في عام 1990 الي 64% في 2004 بينما انخفضت نسبة الصادرات المصنعة من صادرات البضائع من 42% في عام 1990 الي 31% في 2004. وكشف عن ان نسبة صادرات منتجات التكنولوجيا المتقدمة عن الصادرات المصنعة هي 1%. قضية المياه أما عن قضية المياه وهي القضية الرئيسية في التقرير فقد رصد ان نسبة السكان المنتفعين بالحصول المستدام علي صرف صحي محسن ارتفعت من 54% في عام 1990 الي 70% في 2004 ونسبة السكان المتمتعين بالحصول بشكل دائم علي مصدر مياه محسنة ارتفت من 94% الي 98% في نفس الفترة. وكشف التقرير عن انه مع وجود "مرحاض دافق" يقلل من خطر وفيات الرضع في مصر بنسبة 57% مقارنة برضع أسرة تفتقر الي الصرف الصحي كما ينبه التقرير ايضا الي المخاطر التي تهدد مصادر المياه العذبة بسبب تغير المناخ حيث يتوقع ان تتسبب ظاهرة "الاحترار العالمي" في حدوث خسائر في المياه العذبة في دلتا الانهار في بلدان مثل مصر وبنجلاديش وتايلند وذلك بسبب ارتفاع مناسيب المياه. خدمات المياه وعن مستوي خدمات مياه الري في مصر يرصد التقرير بعض الجوانب الايجابية حيث يشير الي انه علي الرغم من ان متوسط الدخل بمصر اقل من الصين الا انها تتمتع بمستويات اعلي من التزويد بالمياه النظيفة كما يضيف نظام الري في مصر من الانظمة ذات الاداء الجيد الا انه يشير ايضا الي ضرورة استخدام "سياسات التسعير" بما يوفر دعما لكفاءة الاستخدام والاستدامة البيئية والذي اكد انه لا يؤدي الي الاضرار بمفهوم المساواة عبر استبعاد المزارعين الفقراء من سوق المياه ودلل علي ذلك بابحاث مجراة علي مصر تثبت انه عند فرض رسوم تغطي عمليات التشغيل وتكاليف الصيانة فان قيمتها ستساوي 3% من ايرادات مزرعة متوسطة ويذكر التقرير انه علي الرغم من ان هذه القيمة ليست قليلة الا انه بوسع المزارع التجارية الكبري تحملها فمن خلال ربط التكلفة بحجم المزرعة وموقعها وما تحققه من ايراد سيصبح من الممكن الحد من فرض رسوم عالية علي الأسر الريفية الفقيرة. ويتعرض التقرير لقضية العلاقة بين مصر ودول حوض النيل ويشير الي ان مصر تعتمد بشكل شبه كامل علي المصادر الخارجية للمياه التي تصل اليها من خلال نهر النيل بالرغم من انها تنبع اصلا في اثيوبيا. ويشيد بمبادرة حوض النيل التي تربط بين مصر وبلدان فقيرة في منطقة افريقيا جنوب الصحراء علي الصعيدين السياسي والاقتصادي كما ذكر التقرير ووصف هذه الاتفاقية بأنها اكسبت مصر مكانة جعلتها تظهر كشريك ونصير للمصالح الافريقية في منظمة التجارة العالمية. عواقب وخيمة ويشدد التقرير علي ان ارتفاع مناسيب البحار سيكون أحد أقوي المحددات لأمن المياه بالنسبة لقطاع عريض من سكان العالم في القرن الحالي مؤكدا أن هناك مجموعة كبيرة من البلدان ستتأثر بهذه المشكلة ففي مصر وبنجلاديش ونيجيريا وتايلاند يعيش عدد كبير من السكان في دلتا الانهار المهددة بارتفاع الملوحة، ومن المتوقع ان يؤدي ارتفاع مناسيب البحار في مصر إلي اضعاف الحزام الرملي الواقي لدلتا نهر النيل وما يترتب علي ذلك من عواقب وخيمة علي حجم الموجود من المياه الجوفية ومصايد الاسماك في المياه العذبة الداخلية والمساحات الكبيرة من الأراضي الزراعية.