رغم أنه من أغني أغنياء العالم ورئيس أكبر وأعرق شركة هندية متعددة الأنشطة هي "تاتا جروب" فإن راتان تاتا لا يستهويه بذخ الأغنياء فهو لم يفكر قط في امتلاك يخت.. ويعيب تاتا 68 عاما علي نظرائه سعيهم المحموم إلي الثراء دون الاهتمام بالدور الاجتماعي لشركاتهم.. وليس معني ذلك أنه قد تحول من مستثمر إلي مصلح اجتماعي ولكنه فقط يحاول أن يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله. ويقول تاتا لمجلة "تايم" إن نصائحه لرؤساء شركاته هي الاستعداد للعمل في مختلف الأسواق والبحث عن هوامش معقولة وفتح أسواق جديدة وهذا معناه أن تاتا يفكر في الاقتصاد العالمي كوحدة واحدة لأننا في عصر العولمة. وتضم تاتا جروب 96 شركة تتضمن ثاني أكبر شركة منتجة للشاي في العالم "تاتا تي" وشركة فنادق عالمية "انديان اوتيلز" وشركة للسيارات "تاتا موتورز". ومنذ تولي راتان تاتا منصب رئيس مجلس إدارة تاتا جروب عام 1991 زادت إيرادات الشركة سبعة أضعاف لتصبح 22 مليار دولار، أما القيمة السوقية للمجموعة فقد زادت منذ عام 2000 إلي 18 ضعفا لتصبح 49.1 مليار دولار.. وعبر السنوات الست الأخيرة أنفقت تاتا جروب 1.9 مليار دولار علي عدة صفقات اكتساب شملت شركات في كل من بريطانيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة ونيويورك وغيرها وبلغ عددها 12 صفقة. ومنذ أيام وافقت شركة كوروس البريطانية الهولندية للصلب علي عرض اكتساب من تاتا ستيل خامس أكبر شركة في العالم لإنتاج الصلب بعد أن كانت تحتل المركز رقم 56 بين هذه الشركات. ويشهد الناس بأن راتان تاتا رجل صاحب رؤية ويعرف ما يفعل ولذلك فإن الجميع يضعون ثقتهم فيه. ويعد راتان تاتا من اوسع رجال الاعمال الاسيويين نفوذاً ان لم يكن اوسعهم نفوذاً علي الاطلاق.. وتعمل تاتا جروب علي تحديث الاقتصاد الهندي كهدف رئيسي وخلال عمرها البالغ 138 عاما ًكانت بشركاتها تمثل قلب المؤسسة الاقتصادية الهندية كما كان مؤسسها الاول J.N Tata وطنياً غيوراً يؤمن بالهند القوية المعتمدة علي نفسها، ولذلك فقد اقام الرجل في بلده أول مصنع للصلب وأول مصنع للأسمنت وأول مشروع لتوليد الكهرباء من مساقط المياه وأول مصنع للنسيج وأول جامعة علمية وكان هو حتي من اقام اول فنادق عالمية في الهند، اما خلفاؤه فقد اقاموا اول شركة طيران هندية وأول بنك وأول مصنع للكيماويات. ورغم أن تاتا جروب قد تعرضت للعديد من المشكلات في حقبة ما بعد استقلال الهند عام 1947 مثل تأميم العديد من شركاتها فإنها ظلت تعمل حتي عادت الهند إلي سياسة الانفتاح من جديد في التسعينيات وتولي قيادتها راتان تاتا الذي اعاد تنظيم المجموعة من جديد ووجه شركاتها إلي العمل بجدية لتكون كل منها الاولي أو الثانية في مجال تخصصها ولتحقق أهدافا محددة في مجال الابتكار أو يتم بيعها.. وعلي سبيل المثال فإن تاتا ستيل استغنت عن نصف عمالها خلال الفترة من عام 1994 حتي عام 2005 من اجل خفض التكاليف وزيادة الانتاجية فقد كان عدد عمالها 78 ألف عامل اصبح الان اقل من 40 ألف عامل. وتغيرت ثقافة شركات تاتا جروب من ثقافة أبوية لتصبح ثقافة عملية. ومع ذلك فإن التزام تاتا جروب الاجتماعي الذي ارسي قواعده مؤسسها الاول لم يتراجع ويكفي ان تعرف الشركة القابضة تاتا سونز التي تدير المجموعة مملوكة بنسبة 8.65% لنحو 11 هيئة خيرية لا تستهدف الربح وانها انفقت 380 مليون دولار في عام 2003 2004 وحده علي الاعتراض الاجتماعية التي تشمل التعليم والرعاية الصحية وحماية البيئة وغيرها. واهم شيء يعتز به راتان تاتا هو تلك الصلة التي استطاع ان يقيمها بين تراث تاتا جروب الاجتماعي وبين حرص الشركات المجموعة علي مواكبة عصر المنافسة والعولمة. ويهتم الرجل بالفقراء وذوي الدخول المتواضعة حتي في انتاج شركاته حيث يستعد تاتا موتور لطرح سيارة لا يتجاوز سعرها 2200 دولار في عام 2008 كما قدمت للسوق شاحنة صغيرة لا يتجاوز سعرها 10 الاف دولار ويدرك الرجل أنه من بين 1.1 مليار نسمة هم كل شعب الهند لا يوجد سوي 58 مليون نسمة يحققون متوسط دخل سنوي أكثر من 4400 دولار وتمتد نظرة الرجل إلي فقراء العالم الثالث فيقول: ان مستوي الحياة في الغرب لايزال مجرد حلم لنحو 3 مليارات من شعوب البلدان النامية.. والان يستعد راتان تاتا للتقاعد بعد أن تولي قيادة تاتا جروب 15 عاماً متصلة ويشعر الرجل بالرضا فقد حافظ علي الدور التاريخي لهذه المجموعة ودخل بها في نفس الوقت عصر العولمة بقوة وافتداء.. ويكفي ان نعرف أن شركات تاتا جروب لم تشهد أية اضرابات عمالية لمدة 77 عاماً متصلة حتي الان بسبب حرصها علي حقوق العاملين حتي عندما قررت تاتا ستيل الاستغناء عن نصف عمالها تم ذلك بشكل متدرج وقرر راتان تاتا أن يدفع اجور المتقاعدين حتي بلوغهم سن المعاش مع رعايتهم صحياً مدي الحياة والسماح لهم باستخدام المساكن التي قدمتها لهم الشركة مع 3 سنوات قبل أن يخرجوا منها وهذه اشياء لا تفعلها عادة سوي الشركات المحترمة ذات المسئولية الاجتماعية.