أغلقت أسعار البترول العالمية الأسبوع الماضي دون مستوي 60 دولارا للبرميل، رغم التخفيض الرمزي في انتاج نيجيريا وفنزويلا والحديث لبعض الدول الأخري الاعضاء في اوبك بضرورة خفض الانتاج لمواجهة التراجع الاخير في الأسعار والذي التهم نحو 20% من سعر برميل النفط الذي اقترب من مستوي 80 دولارا للبرميل خلال شهر يوليو الماضي. الا ان الشكوك حول اتفاق داخل اوبك بخفض مزمع للانتاج قد ادي الي المزيد من التراجع للأسعار. ومن الأسباب السياسية لهبوط الأسعار في الشهرين الماضيين، بدء المفاوضات حول الملف النووي الإيراني. واللافت للنظر فيها حتي الآن أن المحادثات انحصرت بين طهران والطرف الأوروبي. والأهم من ذلك، أن هذه المفاوضات غير الرسمية لم تتطلب من طهران وقف تخصيب اليورانيوم. ومن ثم، يتوقع أن تنخفض الأسعار الي مستويات أدني في حال وافقت إيران علي وقف مؤقت للتخصيب، او إذا شاركت واشنطن كطرف ثالث في المفاوضات. وفي حال غض النظر عن أي عقوبات ضد طهران (تطالب بها الولاياتالمتحدة)، ستعتبر هذه المؤشرات تقدماً ملحوظاً، ولو في المرحلة الحالية علي الأقل، خصوصاً قبيل الانتخابات الأميركية في 7 نوفمبر. أما في حال فشل المفاوضات فقد تعود الاسعار مرة اخري الي مستوياتها قبل شهرين. خيبة أمل ويعكس هذا التغيير في الموقف الغربي من ايران، والأميركي بشكل خاص، خيبة الأمل في السياسات الأخري التي أولتها واشنطن الأهمية في السنوات الماضية فقد تصورت واشنطن، ومعها معاهد أبحاث المحافظين الجدد، أن من الواجب تقليص دور دول الخليج، والسعودية خصوصاً، علي صعيد صناعة النفط العالمية. وكان محور هذا الطرح زيادة الإنتاج من الدولتين الرئيسيتين اللتين لا تزالان تملكان احتياطيا نفطياً ضخماً مؤكداً، وهما روسيا والعراق. وكانت الفكرة أن يفسح المجال أمام الشركات النفطية الغربية استثمار في روسيا من خلال القوانين الليبرالية التي تم تشريعها في تسعينات القرن الماضي، وتغيير النظام السياسي في العراق وفتح المجال للاستثمارات الأجنبية. إلا أن الأمور لم تتطور كما اشتهتها واشنطن لا في موسكو ولا في بغداد. فقد سحبت السلطات البترولية الروسية في الأيام الأخيرة رخصة الحفر من شركة "شل" الهولندية البريطانية في مشروع تطوير غاز "سخالين -2" العملاق، لأن المشروع يشكل خطراً علي الحيتان المتواجدة قرب ساحل المحيط الهادي في شمال شرق روسيا. والسبب الحقيقي هو محاولة إعطاء دور أكبر للشركات الروسية في المشروع. تخبط روسي وهناك نزاع من نوع آخر بين السلطات الروسية وشركة اكسون موبيل حول مشروع "سخالين -1". إذ تدعي الشركة الأمريكية أن التكاليف قد ارتفعت بشكل باهظ جداً في الفترة الأخيرة. وبحسب اتفاق مشاركة الانتاج، تستطيع الشركة العاملة حسم نسبة معينة من هذه التكاليف قبل أن تدفع الأرباح لموسكو، مما يعني خسارة بلايين الدولارات للسلطات الروسية. وقد هددت موسكو بسحب الرخصة من اكسون موبيل بسبب هذه الحجج. كما أن الكرملين غير مرتاح لاتفاقات مشاركة الانتاج التي وقعت مع الشركات الغربية في تسعينات القرن الماضي عندما كانت أسعار النفط منخفضة، ويطالب الآن بإعادة النظر فيها. ووصلت الأمور إلي درجة أن رئيس الوزراء الفرنسي طلب قبل اسبوعين رسم استراتيجية اوروبية مشتركة للطاقة، وأن يعين الاتحاد الأوروبي ممثلاً خاصاً للطاقة يكون دوره شبيهاً بدور خافيير سولانا في السياسة الخارجية. والسؤال المطروح في أروقة الكرملين وفقا لتقرير صادر عن بورصة انفو: ما مستوي الإنتاج المنشود في الأعوام المقبلة؟ وهذا السؤال لا يختلف كثيراً عما يطرح في الكويت منذ فترة أي ما مصلحة البلد في مستوي إنتاج معين، وما السرعة المنشودة والكلفة المترتبة في زيادة الانتاج؟ وكم من الاحتياطي النفطي يجب توفيره للأجيال المقبلة؟ وعلي رغم كل الكلام عن زيادة الانتاج الروسي، فإن الهدف زيادة الانتاج من النفط الخام والسوائل في السنوات العشر المقبلة من مستوي 9.7 مليون برميل يومياً في 2006 إلي 11.6 مليون برميل يومياً في 2013. اضطرابات العراق وفي العراق، حيث حان الوقت للإهتمام جدياً بتطوير صناعة النفط، بعد ثلاث سنوات ونصف من تغيير النظام السابق، تعصف خلافات سياسية وعنف طائفي باستقرار ومستقبل البلاد، ما يجعل تصور استقطاب الاستثمارات الأجنبية في ظل هذا الجو غير الآمن احتمالاً صعباً جداً، علي رغم حاجة البلاد للأموال الإضافية والرغبة الجامحة للشركات النفطية الدولية في ولوج قطاع النفط العراقي. فليس ممكناً تصور تطوير قطاع النفط، بعشرات بلايين الدولارات من الاستثمارات والآف الموظفين في الحقول والمكاتب، مع عمليات النحر والقتل والخطف والابتزاز اليومية من قبل المليشيات التي تشارك احزابها في الحكومة والبرلمان. ويصعب كذلك تصور تطوير قطاع النفط مع الخلافات الحادة حول مستقبل البلاد الفيدرالي. فقد صيغت البنود النفطية في الدستور بطريقة مريبة وغامضة وقابلة لتفسيرات متعددة، ما يثير شكوكاً حول وجود نية حقيقية من قبل اولئك الذين صاغوا هذه المواد خصوصاً في بناء صناعة نفطية عراقية متكاملة، تأخذ في الاعتبار مصالح الأقاليم والمحافظات من جهة، ومصلحة الشعب العراقي ككل من جهة أخري كما هو منصوص في الدستور. هذه الاوضاع سواء علي صعيد الملف الايراني او الروسي او العراقي ترشح اسعار البترول العالمية للعودة مرة اخري للارتفاع ولاسيما اذا استطاعت دول اوبك الاتفاق علي خفض مرتقب للانتاج خلال الاسبوع الجاري لوقف نزيف الاسعار.