كلنا حزين عما وصلت اليه احوال الجامعات المصرية من حيث الامكانيات..والقدرة التعليمية والتميز علي كل المستويات وتبقي الازمة الحقيقية في استاذ الجامعة الذي اهدرنا حقه واستبحنا مقوماته وتركناه يعيش ظروفا في غاية القسوة ماديا وادبيا.. وهذه رسالة من استاذ جامعي يؤكد فيها ان المأساة الحقيقية للجامعات في مصر هي الاستاذ.. وعندما نواجه مشاكله وازماته فسوف نضع اقدامنا علي اول طريق للاصلاح. تقول الرسالة: الاستاذ... حين اخفقت جامعاتنا مجتمعة احدثها او اقدمها واعرقها في احراز اية مكانة في التقييم الدولي والاقليمي تطول بها هاماتنا وتشرئب لها اعناقنا تعتصرنا الام الحسرة علي الايام الخوالي التي كانت فيها مصر قبلة لمن يقصد التعلم في شتي ميادين العلم وكانت درجة تمنح من جامعة مصرية هي شهادة الجودة والارتقاء وكان خريج الجامعة المصرية في شتي المجالات هو الحصان الاسود الذي تراهن عليه كل اسواق العمل اقليميا ودوليا. ولن اطيل في مفردات الندب والنحيب والبكاء علي اللبن المسكوب وسأدلف سريعا الي احد اهم ملفات التداعي بالجماعات بل واخطرها تأثيرا في مسار التعليم الجامعي وهو المحتوي العلمي والقيمي لمحور العملية التعليمية وهو استاذ الجامعة وسأبدأ بالمحتوي العلمي وما اعنيه الرصيد التراكمي للتحصيل العلمي النظري والتطبيقي وعلي الصعيد النظري ازعم ان هذا الجانب نرقي فيه الي مراتب لنا ان نفاخر بها وكم كان مصدر سعادة لي ان استمع لكلمات المديح والاطراء التي قيلت في حق العديد من الاساتذة المصريين قاموا بالقاء محاضرات هنا او هناك وتردد هذا كثيرا في زياراتي لدول عربية وغربية نعم وبملء الفم استاذ الجامعة المصري مازال هو ذلك المحاضر النجم الذي يمتلك تلك الكاريزما الاثيرة في الالقاء السهل الممتنع لطلابه ومريديه واشهد انه خارج المنافسة في هذا المضمار وقد يعزي ذلك للخبرة التراكمية للمصري منذ فجر التاريخ حين اضاء وجه التاريخ باولي حضاراته ولكن لن تطول حالة السعادة تلك ولن يظل تفاخري علي حاله عندما اتحدث عن الشق التطبيقي واقصد به الجانب البحثي والعملي وهنا تنكأ الجراح ويفتح الباب علي مصراعيه لحديث ذي شجون ولوعة بالقلب لان البحوث العلمية وفي ظل تلك القفزات والطفرات الحادثة في التقدم العلمي والتقني من حولنا تستوجب ميزانية عملاقة وتمويلا قادرا علي تحويل هذا الرصيد النظري الي واقع من الاختراعات والابتكارات التي تحقق لنا تلك النقلة الحضارية من مستورد ومستهلك الي منتج ومصدر للتكنولوجيا. ولكن ماا يفعل الاستاذ الجامعي في ظل تلك التحديات والاحباطات المادية وضيق ذات اليد التي تواجه الابحاث العلمية الجادة والمتطورة غير ان يردد المثل الشعبي" قال اطبخي ياجارية قالت كلف ياسيدي" ونأتي للمحتوي القيمي واقصد به ما آل اليه حال الاستاذ الجامعي في ظل مجتمع تغيرت فيه منظومة القيم وغابت فيه القدوة وتراجعت فيه مكانة العلم والعلماء ولقد تأثر الاستاذ الجامعي كغيره من فئات المجتمع بتلك المتغيرات ورحم الله زمنا كان فيه للعلم عيد ويوم مشهود يكرم فيه النابغون وكان الاستاذ الجامعي يتبوأ فيه مكانته اللائقة وكان الوطن حفيا به يؤثره بتقديره الادبي والمادي بما يحفظ لعقول الامة واساتذة الاجيال وقارهم ويقيهم عار الاستجداء لتحقيق المستوي اللائق لاسرهم ويحول دون انصرافهم عن اقدس واجباتهم وهو حماية اغلي ما يمتلك الوطن من عقول ابنائه ويثنيهم عن هجرتهم له في نزيف مستمر للعقول والخبرات لم يتصد احد لايقافه حتي الان. ان الدولة قد انصفت فئات كانت يوما ما في بداية السبعينيات من القرن الماضي تغبط الاستاذ الجامعي علي راتبه وطالبت بان تتساوي معه في كادره وتحركت رواتبها علي مر السنين وصدق رب العزة حين قال: "وتلك الايام نداولها بين الناس" فقد اضحي الاستاذ الجامعي هو الذي يغبط غيره الان ويطالب بالانصاف ليس من اجله هو فقد اثر البعض الانخراط في تلك المنظومة القيمية الجديدة واخذ يدبر حالة اما بإيثار السفر خارج بلده الي دول تمنحه ما افتقده في وطنه او اثر البقاء في الوطن ليصبح من نجوم البزنيس والدروس الخصوصية وغيرها مما الهاه عن التفرغ لاسمي وانبل واجباته. اعود واقول لا يطالب بنظرة الانصاف الي حاله من اجله هو بل من اجل عملية اصلاح الهيكل المتردي لجامعاتنا ان صدقت النوايا وان صدقت الافعال والاقوال فاولي لبنات الاصلاح تبدأ باصلاح حال استاذ الجامعة: اللهم اني اشهدتك انني بلغت اللهم فاشهد. د.ناصر كمال عبدالعال استاذ بطب المنوفية