قبل أن تجف دماء الشهداء في لبنان شمر اللبنانيون سواعدهم لاعادة اعمار البلد الذي يثبت كل مرة أنه فعلا مثل طائر الفينيق الذي يبعث من رماد الحريق، وكنت قد اشرت في مقال سابق إلي قضية فاتورة اعادة التعمير ومن الذي سيدفعها، وقلت ان اسرائيل لم يعرف عنها قط منذ قيامها انها قامت بدفع تعويضات عن أية جرائم ارتكبتها، وكيف يستطيع احد ان يحاسبها وهي تحذو حذو الولاياتالمتحدة التي اعتادت علي أن تكون فواتير حروبها في المنطقة - سواء التي تخوضها بجنودها او تندلع لصالحها بالوكالة - علي حساب الدول العربية الغنية، بدعوي ان قواعدها في المنطقة تحمي أمن هذه الدول ولا يغيب عن البال احجام امريكا عن دفع أي تعويضات عن انتهاكاتها في فيتنام أو العراق او افغانستان، علي سبيل المثال، كما رفضت تسديد التعويضات التي طالبتها محكمة العدل الدولية بدفعها عقابا علي الحرب التي شنتها عبر تنظيم "الكونترا" ضد نيكاراجوا الساندينية مطلع الثمانينيات. وكان فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني اكد امام مؤتمر روما ان بلاده تدرس قانونيا طلب تعويضات عن الخسائر جراء الحرب، وفي لقاء مع قناة الجزيرة قال فوزي صلوخ وزير الخارجية اللبناني "في القرار الذي اتخذناه في الجامعة العربية وضعنا هذا البند وكذلك سنتقدم بشكوي لمجلس الأمن ونطالب بالتعويض علي كل الخسائر لانها خسائر فادحة لم يبق شيء في لبنان من البني التحتية للمرافق المطارات"، وهذه التعويضات ربما تشمل ايضا حسب قول مسئولين لبنانيين، اجتياح بيروت عام اثنين وثمانين واحتلال جنوب لبنان الذي دام اثنتين وعشرين سنة فضلا عن الجرحي والاعطال الدائمة والاضرار الفادحة في البنية التحتية والأراضي الزراعية وغيرها، كما نقلت وكالات الأنباء عن الدكتور خالد قباني وزير التربية والتعليم اللبناني ان بلده يعد ملفا قضائيا لملاحقة اسرائيل علي أعمالها الاجرامية في لبنان واوضح قباني في تصريح لراديو سوا قبل أيام ان هذه الجرائم ضد كل القوانين والشرائع والاتفاقات الدولية وخاصة اتفاقية جنيف لسنة 1949 التي تتعلق بحماية المدنيين وحماية الآمنين والتي عدلت في سنة 1977 وقال الوزير اللبناني ان هناك جرائم ترتكب ضد الانسان وضد الحياة وهي مدانة ومستنكرة من كل المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي. سوابق قريبة العهد ولاشك اننا نذكر ان التاريخ القريب يسجل عدة مناسبات رفعت فيها دعاوي التعويض، لعل من أكثرها وضوحا في الأذهان مطالبات اليهود بالتعويضات ضد ما يسمونه محارق النازية "الهولوكست" رغم تشكيك الكثيرين في صحة استهداف هذه المحارق لليهود بالذات أو صحة اعداد الضحايا من اليهود. وقد وقعت ألمانيا مؤخرا اتفاقا يلزمها بدفع 10 مليارات مارك "ما يزيد علي 5 مليارات دولار" تعويضات اضافية لضحايا النازية، الذين حصلوا حتي الآن علي أكثر من 100 مليار مارك، ذهب جلها إلي اسرائيل واليهود ومن الأمثلة الواضحة أيضا، ارغام العراق علي دفع جميع تعويضات الحرب التي شنها علي الكويت بين 1990 و1991 ولا يمكن ان ننسي أيضا الاتفاق - الصفقة الذي وقعته ليبيا لدفع التعويضات لأسر ضحايا حادث لوكيربي بالكامل مقابل رفع العقوبات التي كانت مفروضة علي ليبيا وقتها، بل أن العقيد القذافي كان أول رئيس عربي يعلن انه قد يدفع تعويضات لليهود الذي أجبروا علي ترك منازلهم في ليبيا بعد 1948 وتقدر جماعات من اليهود الليبيين قيمة الممتلكات الخاصة التي فقدت بنحو 500 مليون دولار بالاضافة إلي مائة مليون دولار اخري للمنشآت العامة اليهودية كالمعابد والمقابر، إلا أن سيف الإسلام نجل القذافي الذي يقود حملة التغيير السياسي في ليبيا في الآونة الأخيرة، أكد علي أن اليهود الليبيين الذين انتقلوا للعيش في اسرائيل سيتعين عليهم اثبات انهم لم يأخذوا أي ممتلكات للفلسطينيين اذا ما كان يتعين عليهم الحصول علي تعويضات، وقال: "يتعين عليهم اعادة الديار والممتلكات التي صودرت من الفلسطينيين قبل المفاوضات لاستعادة ما لهم من أصول وممتلكات في ليبيا" وبمناسبة ذكر ليبيا وسيف الإسلام، فقد دعت مؤخرا جمعية خيرية يديرها نجل الزعيم الليبي معمر القذافي المحكمة الجنائية الدولية إلي محاكمة زعماء اسرائيل بسبب الهجوم الدموي علي مبني سكني في قرية قانا بجنوب لبنان وهو الذي أثار غضبا في شتي انحاء العالم وكان عدد كبير من ضحاياه من الأطفال، غير ان المحكمة الجنائية الدولية رأت انها لا يمكنها اتخاذ اجراء لان اسرائيل ولبنان لم يوقعا علي معاهدة تشكيل المحكمة التي تأسست عام 2002 في لاهاي كأول محكمة عالمية دائمة تهدف لمحاكمة اشخاص عن جرائم ابادة جماعية أو جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الكبري لحقوق الانسان ورغم انه يجوز لمجلس الأمن ان يحيل قضايا مرتبطة بدول غير اعضاء كما فعل لأول مرة العام الماضي في قضية الجرائم التي يشتبه في انها ارتكبت في اقليم دارفور بغرب السودان غير ان المحللين يرجحون أن تستخدم الولاياتالمتحدة حق الفيتو - كما هي العادة ضد أي محاولة لاحالة اسرائيل إلي المحكمة، ونقلت وكالة رويترز للانباء عن جان ووترز استاذ القانون الدولي بالجامعة الكاثوليكية في لويفين ببلجيكا، قوله: "الصورة قاتمة علي المستوي الدولي حيث لا يوجد اختصاص للمحكمة الجنائية الدولية في هذه القضية" وأوضح ووترز: "النوع الأول من المحكمة سيكون أمام محكمة الرأي العام لكن المشكلة هي ان الرأي العام لا يمتلك الأدوات والمعلومات اللازمة للحكم بشكل حقيقي بشأن ما اذا كانت هناك جرائم حرب ارتكبت بالفعل"،