علي الرغم من أن الإنسان ينبغي أن يتسلح بالحذر وهو يتعامل مع الاحصاءات فإن ما أذيع منذ أيام من بيانات عن النمو في منطقة اليورو خلال الربع الثاني من العام الحالي أمر يدعو إلي التفاؤل. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن معدل النمو المذكور بلغ 0.9% أي ما يساوي نحو 3.7% سنويا وهو المعدل الأسرع من نوعه منذ 6 سنوات، كما أنه يفوق لأول مرة منذ 7 سنوات معدلات النمو في كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا واليابان. وهذا يجعلنا نتساءل: هل القارة الأوروبية التي توقفت سفينتها طويلا بسبب هدوء الرياح قد استأنفت الإبحار من جديد؟ ولو كان ذلك صحيحا، فإن الاقتصاد العالمي كله سوف يستفيد منه لأن التباطؤ بدأ يضرب الاقتصاد الأمريكي الذي يعد قاطرة النمو الأول للاقتصاد العالمي.. ولكن ما هو ظاهر حتي الاَن أن تفاؤلنا ليس له ما يبرره بسبب صعوبات أخري تواجهها اقتصادات دول منطقة اليورو، هذا بالإضافة إلي أن الحكومات خاصة في فرنساوألمانيا وإيطاليا لاتزال عازمة علي القيام بما هو مطلوب من إصلاحات هيكلية علي المستويين المالي والاقتصادي. وهناك 3 عناصر قصيرة الأجل ستعوق تحويل النمو في منطقة اليورو إلي دفعة قوية للنمو في الاقتصاد العالمي وأول هذه العناصر هو ضعف النمو في الاقتصاد الأمريكي حيث لم يتجاوز معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الأمريكي ال 2.5% سنويا خلال الربع الثاني من عام 2006 وهذا معناه أن السوق الأمريكي لم يعد مستعدا لاستيعاب المزيد من الصادرات الأوروبية. صحيح أن النمو الأوروبي يبدو أكثر اعتمادا علي إنفاق المستهلك المحلي بدلا من الاعتماد الأكبر علي الصادرات وهذه علامة مشجعة، ولكن بعض دول اليورو لايزال نموها يعتمد أساسا علي التصدير. ففي بلد مثل ألمانيا تذهب 43% من صادراته إلي دول اليورو الأخري ثم بريطانيا وبعدها الولاياتالمتحدة، ولكن السوق الأمريكي مع ذلك يظل له دور مهم في النمو الأوروبي إلي جانب الأسواق الأخري وفي مقدمتها السوق الصيني. العنصر الثاني أو السبب الثاني الذي يحبط تفاؤلنا علي المدي القصير هو أن دول اليورو الرئيسية وبالذات ألمانيا وإيطاليا ستكون مضطرة إلي اتباع سياسات تقشفية من أجل خفض عجز الموازنة. ولا جدال في أن ماليات هذه الدول في حاجة إلي إصلاح ولكن من سوء الطالع أن هذا الإصلاح يأتي في الوقت الذي قرر فيه المستهلك في بلد مثل ألمانيا أن يزيد إنفاقه ويسترد ثقته بعد سنوات من النمو المنخفض لمستويات الأجور والقلق بالنسبة لفقدان فرص العمل وعدم الإحساس بالأمان فيما يتعلق بالمعاشات. فالحكومة تحاول في هذه اللحظة الحرجة أن تزيد ضريبة القيمة المضافة بنسبة 3% في يناير القادم.. وهذا معناه أن النمو الذي حدث في الربع الثاني من العام الحالي نمو لا يقف علي قدمين قويتين وسيعود معدل النمو إلي التراجع مرة أخري في مطلع عام 2007. العنصر الثالث الذي يحبط تفاؤلنا هو أن البنك المركزي الأوروبي الذي بدأ في رفع أسعار الفائدة في ديسمبر الماضي وسوف يواصل رفعها حتي نهاية العام علي الأقل لا يقدم أية مساعدة بسياساته لدفع الزيادة في النمو.