بعد ان تحولت الدولة عن دور المستثمر الي الرقيب في النشاط الاقتصادي بدأ تساؤل جديد يطرح نفسه وهو هل نحتاج الي اعادة التفكير في السياسة الصناعية؟! وتحديدا فيما يتعلق بقطاع الصناعة التحويلية. وهذا التساؤل اجاب عليه الدكتور احمد جلال الخبير بالبنك الدولي والدكتورة نهال المغربل استاذة الاقتصاد والباحثة بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية من خلال دراسة حديثة تحت عنوان " تقييم السياسة الصناعية في مصر" التي تناولت تقييم الفترة ما بين عام 1980 و2000 وتحديدا علي 16 صناعة. واكدت الدراسة انه ينبغي صياغة سياسة صناعية جديدة تهدف الي دفع الاقتصاد الي مجالات جديدة يتمتع فيها بمزايا نسبية وتتعدي الانماط الحالية للانتاج وحددت الدراسة 4 مبادئ لهذه السياسة الجديدة استمدتها من التجربة الناجحة لشرق آسيا وهي: * استهداف انشطة جديدة بدلا من الانشطة القائمة. * مكافأة القائمين بالمشروعات علي اساس نتائج قابلة للقياس بدلا من مكافأتهم علي اساس اقتناع مسبق. * تقديم الدعم لفترة زمنية محددة مسبقا بدلا من تقديم تعهدات غير محددة المدة. * دعم الانشطة ذات المزايا العامة بدلا من استهداف قطاعات بعينها. واوضحت الدراسة ان هدفها هو العثور علي ارض مشتركة تلعب فيها الحكومات والاسواق ادوارا ايجابية يكمل بعضها بعضا عن طريق تقييم نوع واحد من اشكال التدخل الحكومي وهو ما يسمي بالسياسة الصناعية والتي اكدت انه لا يوجد ارتباط ايجابي بين الحوافز التفضيلية التي وصفتها السياسة الصناعية وبين مستوي اداء الصناعات التي حصلت عليها وارجعت ذلك الي قصور في تصميم هذه الحوافز. واشارت الدراسة الي ان قطاع الصناعة التحويلية في مصر اقل تنوعا في المتوسط من مثيله في الدول النامية ويتضح التركز في المنتجات الاكثر تعقيدا مثل الكيماويات والآلات غير الكهربائية والمكونات الالكترونية وتبدو الفجوة اكثر وضوحا عند المقارنة بالبرازيل والصين واندونيسيا بالنسبة لمعظم المنتجات مؤكدة ان كل المؤشرات تصل بنا الي نتيجة واحدة وهي ان السياسة الصناعية لم تؤد الي مستوي تنوع يتفق مع مستوي دخل الفرد في مصر او مع تاريخها الطويل في مجال السياسة الصناعية النشطة. وارجعت الدراسة ذلك الي تحليلين الاول ان احد الشعارات في الستينيات كان "سننتج من الابرة الي الصاروخ" ولذلك وضعت السياسات اللازمة لتحويل هذا الشعار الي حقيقة ولكن صناعة السيارات اظهرت عجز هذه السياسات حيث لم يسفر دعم هذه الصناعة علي مدي نصف قرن تقريبا سوي عن عدد من المصانع الصغيرة التي كان نشاطها الرئيسي هو تجميع الاجزاء المستوردة لبيعها في السوق المحلي كما ان هذه الصناعة تعمل بطاقة انتاجية تقل كثيرا عن الحد الادني للطاقة الانتاجية في الصناعة المناظرة في الدول الاخري.. اما التحليل الثاني ان اصلاحات التسعينيات هي المسئولة عن زيادة التركز في قطاع الصناعة التحويلية. واضافت الدراسة ان التحليل السابق يمكن استخدامه للتساؤل عن مدي جدوي السياسة الصناعية بالنسبة للتحسن في الانتاجية الكلية وبالنسبة للتنوع.. واجابت بانه علي الرغم من الاسهام الذي قدمته هذه السياسة في مراحل مبكرة الا ان حماية الصناعات الوليدة قد ادت الي عدم نضج هذه الصناعات وربما الافراط في الاعانات قد ادي الي التوسع في الحجم مع تواضع تحسين الانتاج.. او ان هذه السياسة قد شجعت علي سلوك السعي للحصول علي المزايا الريعية ومقاومة الانفتاح. وركزت الدراسة في تحديد ملامح السياسة الصناعية الفعالة علي الدروس المستفادة من تجربة شرق اسيا وامريكا اللاتينية مؤكدة ان النجاح في تصميمها يعتمد علي حسم الجدل الدائر بشأن البدائل المختلفة لهذه السياسة واهمها دعم الانشطة القديمة في مقابل الجديدة وتوفير الدعم علي اساس الاقتناع برأي معين او مقابل النتائج القابلة للقياس وتوفير الدعم غير المحدد مقابل الدعم محدد المدة ودعم الانشطة مقابل دعم القطاعات واكدت ان حسم الاختيار بين البدائل يشكل الفرق بين السياسة الصناعية الفعالة وغير الفعالة وخاصة ان نجاح شرق اسيا يرجع إلي النجاح في حسم الجدل. وتساءلت الدراسة كيف ستقوم مصر بحسم الاختيار بين هذه البدائل؟ وخاصة ان مصر بدءا من عام 1991 قلصت من السياسات التي تدعم الصناعات القائمة كما تم تحرير الاسعار والغاء القيود الكمية علي الواردات وتحرير التجارة علي مراحل والتخلي جزئيا عن الملكية العامة وتحقيق قدرة من التنسيق بالنسبة لحوافز الاستثمار ومع هذا لم يكن هناك جهود واعية لدعم الانشطة الجديدة والقادرة علي توسيع طاقات الاقتصاد المصري في مجالات تتمتع فيها بميزة نسبية ومازالت اعلي معدلات الحماية الفعالية تقدم للصناعات التقليدية كالنسيج والملابس الجاهزة والمنتجات الجلدية والمجال الجديد الوحيد الذي تم اتباع سياسة صناعية جديدة هو المنشآت الصغيرة والمتوسطة.