هذه الحرب الضروس التي تدور رحاها علي التراب اللبناني تمثل الحلقة السابعة في سلسلة الصراع العربي الإسرائيلي المزمن، التي بدأت بحرب 1948 وحملت اسم "النكبة"، ثم حرب 1956 التي حملت اسم "حرب السويس" مع أن البطولة فيها كانت لبورسعيد، ثم حرب 1967 التي حملت وصمة "النكسة"، وحرب إعادة الاعتبار والثقة التي حملت اسم حرب "الاستنزاف"، وحرب 1973 التي توجت مسيرة الاستنزاف واستحقت اسم حرب "العبور" ليس فقط لقناة السويس وإنما أيضا لعقدة الهزيمة والانكسار الوطني، ثم حرب 1982 المعروفة باسم "اجتياح لبنان" منذ 24 عاماً. وها هي "الحرب السابعة" تندلع منذ 26 يوماً، لتستحق لقب "العدوان الثلاثي" الثاني. فإذا كان العدوان الثلاثي "الأول" قد قامت به إسرائيل وإنجلترا وفرنسا عام ،1956 فإن العدوان الثلاثي "الثاني" الذي جاء بعده بنصف قرن عام 2006 قد قام به ثالوث إسرائيل وأمريكا والنظام العربي الرسمي ضد المقاومة الوطنية اللبنانية. وهذه الحروب السبع ليست متشابهة، وهذا طبيعي لأنها وقعت في أوقات مختلفة، وفي ظل أوضاع إقليمية وعالمية متغيرة، وبمشاركة أنظمة عربية متباينة في طبيعتها وسياساتها واستراتيجياتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية وعلاقاتها بشعوبها. لكن اللافت للنظر أن السمة المشتركة للحروب التي تمت بعد عبور ،1973 وبتحديد أكثر بعد الزيارة الدراماتيكية التي قام بها الرئيس أنور السادات للقدس المحتلة عام 1977 وما أعقبها من إبرام لاتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة الصلح المصرية مع إسرائيل عام ،1979 هي انفراط العقد العربي، الذي سرعان ما تحول إلي عجز عربي شامل ومزرٍ إزاء الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة علي الفلسطينيين واللبنانيين حيث اعتدنا أن تتم هذه الاعتداءات الإسرائيلية في ظل صمت عربي مطبق لا تبدده إلا بيانات هزيلة ومنافقة تندد وتشجب وتدين.. وكفي الله العرب شر القتال. لكن السمة الأخطر التي ترافقت مع "الحرب السابعة" هي أن النظام العربي الرسمي تخلي عن صمته، لكن ليس للتنديد بالعدوان الثلاثي الجديد، وإنما لتبريره في أحسن الأحوال ومساندته وتأييده في أسوأ الأحوال، بذرائع متهافتة وحجج يمكن وصفها بأنها مثل العذر الذي هو أقبح من الذنب، لعل أسخفها وأكثرها استفزازا واستهانة بعقول ومشاعر المواطنين العرب محاولة تأليب "السنة" علي حزب الله لا لشيء إلا لأنه "شيعي"، بينما نحن المسلمين سنة وشيعة والمسيحيين ارثوذكس وكاثوليك وبروتستانت والعلمانيين مسلمين ومسيحيين تسحقنا جميعا سياسة امبراطورية أمريكية وصهيونية إسرائيلية استعمارية واضحة المعالم تستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة وخلق "شرق أوسط جديد" منزوع المقاومة، لا يهش ولا ينش ولا يتجاسر علي أن يرفع أصبعه في وجه أمريكا مهما فعلت في العراق أمس، أو لبنان اليوم، أو في أي بلد عربي آخر غدا، ولا يستطيع أن يقول لإسرائيل "ثلث الثلاثة كم؟" مهما ارتكبت من مذابح أو اقترفت من جرائم ضد الإنسانية. وعندما يحتج أحد علي هذا العجز ناهيك عن التواطؤ العربي الرسمي، تجد أبواق هذا النظام العربي الرسمي الذين يبدون أكبر قدر من النعومة والرخاوة واللطافة مع الهيمنة الأمريكية والبلطجة الإسرائيلية يتحولون إلي أسود كاسرة مع أبناء أمتهم الذين يحاولون الاستفسار ببراءة عن "حكمة" هذا العجز وذاك التواطؤ. ويقولون لك بخشونة: هل تريد أن تورطنا في حرب؟ وهل تحب أن يكون مصير العواصم العربية مثل مصير بيروت التي تم هدمها علي رءوس أهلها، أو مصير بغداد التي تم احتلالها، ناهيك عن مصير القدس التي تم تهويدها وإعلانها عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل؟! وبصرف النظر عن ان منهج العجز والتواطؤ هو الذي أدي إلي ضم القدس، واحتلال بغداد، ثم تدمير بيروت، فإن أحدا لم يطلب من هذا النظام العربي الرسمي المتهالك ان يجيش الجيوش أو يدخل في مغامرات عسكرية يعرف الجميع أنه غير مستعد لها وليس أهلا لها أصلا. فقد كانت المطالبات ومازالت منحصرة في أمور معقولة منها علي سبيل المثال الإعلان "الشفوي" ونكرر الشفوي فقط لتأييد الدولة العربية التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي، والإدانة حتي لو كانت لفظية فقط للمعتدي الصهيوني وحليفه الأمريكي.