عبرت القمة السابعة للاتحاد الافريقي والتي تواصلت علي مدي اليومين الماضيين في بانجول عاصمة جامبيا ببعض الاحداث الخاصة التي اضفت للقمة الافريقية ابعادا دولية مهمة. والقمة التي شارك في أعمالها رؤساء وحكومات 53 دولة افريقية انعقدت هذه المرة تحت شعار ترشيد التجمعات الاقتصادية الاقليمية والاندماج ولكن الاحداث الساخنة التي كانت تجري علي السطحح فرضت نفسها علي جدول الاعمال وخاصة ما يجري في الصومال وسيطرة المحاكم الشرعية علي غالبية الاراضي الصومالية، ايضا مشكلة دارفور التي مازالت تدور في حلقة مفرغة بين الحكومة السودانية والأممالمتحدة. علي أن الحدث الأهم هو الحضور المتميز لضيفين من أصدقاء افريقيا ومن دول العالم الثالث وهما هوجو شافيز رئيس فنزويلا المتمرد علي السيطرة والهيمنة الامريكية وأحمدي نجاد الرئيس الايراني الشاب الذي ثبت انه يجيد سياسة شد الحبل مع الغرب الاوروبي والامريكي بشكل خاص وانه قادر علي ان يكون فعلا يثير الكثير من التساؤلات والتوقعات بدلا من دور رد الفعل الذي استضافته غالبية دول العالم الثالث المغلوبة علي أمرها. ومن أول قمة افريقية سنة 1963 التي عقدت في اديس ابابا وآخر قمة للاتحاد الافريقي في بانجول بجمهورية جامبيا جرت لقاءات وقمم تجاوزت الخمسين حيث حاول فيها الرؤساء والزعماء الافارقة وضع حد لمعاناة القارة السمراء وهمومها ومن اجل اعادة تنشيط وتفعيل دور افريقي ملموس في صياغة مستقبل القارة والمشاركة الايجابية والفعالة في اعادة صياغة العالم الحديث. قرابة خمسة عقود مضت منذ الطموحات البكر والفتية منذ القمة الأولي في بداية الستينيات من القرن العشرين عندما كانت القارة تشهد انتصارا واضحا لحركات التحرر الافريقية وتستقل اكثر من ثلاثين دولة جديدة تخرج من ربقة استعمار واستغلال طويل ومكثف وتنطلق الأعلام الجديدة والأناشيد الوطنية والقومية لتعبر عن حلم شعوب القارة في بناء مجتمعات جديدة ومزدهرة وغنية ومتقدمة. وكان الحلم الافريقي أيامها يقوم علي أسس مادية ومعنوية قوية ويسعي الي تعويض الاستنزاف المكثف لطاقات وقدرات القارة السمراء التي كان يطلق عليها قارة المستقبل حيث كانت تملك امكانات وموارد طبيعية هائلة من ثروات معدنية وغابات وأراض زراعية واسعة ومصادر لا تنضب من المياه. لكن الأحلام الافريقية الوردية سرعان ما تعرضت للحصار وأحيانا للاجهاض العنيف نتيجة عوامل خارجية وايضا عوامل داخلية كثيرة كان علي رأسها الدور الذي لعبته ومازالت تلعبه القوي الاستعمارية السابقة وشركاتها والتي مازالت تسيطر علي مقدرات القارة ومزارعها ومناجمها وثرواتها. علي رأس هذه العوامل الداخلية التي أجهضت الأحلام الافريقية وبقسوة الفشل في اقامة الدولة العصرية الحديثة بآلياتها الديمقراطية القادرة علي توظيف وتعبئة الطاقات البشرية والمادية لاحداث التنمية الشاملة ومن هذه العوامل ايضا تسلط النظم العسكرية والديكتاتورية والفردية التي تشكل لنفسها ولبعض الفئات والشرائح الاجتماعية المرتبطة بها اوضاعا خاصة متميزة علي حساب المصالح القومية والجماهيرية وجعلت أمن السلطة فوق أمن المجتمع وحتي قبله وعلي حسابه ومن هذه العوامل ايضا الصراعات والحروب القبلية والعشائرية والحدودية والدينية. ويكفي ان نضرب مثلا بالصومال التي استقلت في الستينيات وتوحدت بعد ان كان هناك صومال ايطالي وصومال فرنسي وصومال انجيلزي ولكن الاستقلال الذي كان يوحي بمستقبل مشرق لجمهورية الصومال الجديدة والتي كان لديها امكانات مادية وبشرية كبيرة سرعان ما اجهضت بحكم عسكري ديكتاتوري تواصل لأكثر من 25 عاما من سيطرة الجنرال محمد سياد بري وكان من الطبيعي بعد ان سقط النظام العسكري ان تتفجر الصومال بصراعات قبلية وعشائرية ودينية ويعود الوضع أسوأ مما كان عليه أيام التقسيم والسيطرة الاستعمارية. وما جري في الصومال جري في السودان وفي افريقيا الوسطي والنيجر ونيجيريا وليبيريا واثيوبيا واريتريا والكونغو والجزائر حيث جرت صراعات قبلية وحدودية ودينية استنزقت الكثير من قدرات هذه الدول المادية والبشرية. ومع كل ذلك وبالرغم من كل ذلك فهناك العديد من الشواهد التي توحي بأن القمم السبعة الاخيرة للاتحاد الافريقي قد شهدت تحولات ايجابية في المشهد الافريقي في محاولة جادة للخروج من دائرة التهميش الذي فرض علي القارة ودورها في العقدين الاخيرين. وآخر تقرير عن التنمية والتجارة الافريقية صادر عن الأممالمتحدة يقول ان معدلات التنمية في القارة السمراء طوال السنوات الخمس الماضية وصل إلي 5% وهي معدلات تزيد لأول مرة علي معدلات النمو السكاني مثل عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول والصراعات والنزاعات الحدودية والقبلية الا انه لا يمكن تجاهل عوامل ايجابية كثيرة طرأت علي الساحة الافريقية مؤخراً. ويأتي علي رأس هذه العوامل القضاء علي النظام العنصري البغيض في جنوب افريقيا والذي ظل يمثل علي مدي نصف قرن عقبة كبيرة أمام تطور المجتمعات الافريقية المجاورة أيضا هناك نجاحات ملموسة في الاستقرار السياسي والاقتصادي في عدد من الدول المهمة التي كانت تمثل بؤرا ملتهبة للصراع مثل نيجيريا وزامبيا واوغندا وغانا كما استطاع الاتحاد الافريقي خلال السنوات الماضية تنشيط دوره لاحتواء الكثير من النزاعات المسلحة مثل وضع حد للحرب الاثيوبية الاريترية والمساعدات في ظل مشاكل الصراعات في السودان في الجنوب في دارفور ووضع نهاية للحرب الأهلية في انجولا واحتواء النزاعات المسلحة في الكونغو والنيجر. ورغم هذه المؤشرات الايجابية إلا أن القارة مازالت تعاني بشكل حاد من بعض الأمراض المزمنة فهناك 13 دولة افريقية تأتي ضمن العشرين دولة الأشد فقرا في العالم، كما تعتبر افريقيا إلي جانب دول الشرق الاوسط اكثر المناطق في العالم استيرادا للسلاح، كما ان نصيب افريقيا من التجارة العالمية لا تتجاوزة 4% وهناك الديون الاجنبية للقارة والتي قدرت سنة 2004 بحوالي 350 مليار دولار. ولعل هذا ما يدركه الجيل الحالي من القادة الافارقة أو بعضهم خاصة بعد تشكيل الاتحاد الافريقي ووضع هياكله وآلياته موضع التنفيذ. البنك المركزي الافريقي - 14 مفوضية متخصصة - محكمة عدل افريقية - سوق افريقية مشتركة. ولاشك ان القمة الافريقية للاتحاد الافريقي التي عقدت تحت شعار الاندماج الاقتصادي الافريقي هي خطوة اخري علي طريق الألف ميل.