المشروع الحكومي لتعديلات قانون العقوبات الخاصة بجرائم النشر.. أثار سخط الصحفيين علي اختلاف انتماءاتهم السياسية ومشاربهم الفكرية. وأسباب هذا السخط كثيرة، وأهمها أن هذا المشروع الذي تقدمت به الحكومة إلي مجلس الشوري ومجلس الشعب التف حول وعد الرئيس حسني مبارك في 23 فبراير 2004 بإلغاء التشريعات التي تجيز الحبس في قضايا النشر. وبعد أن عطلت الحكومة تنفيذ وعد الرئيس لأكثر من عامين وأربعة شهور جاء المشروع الذي تقدمت به متضمنا الحبس في أكثر من مادة منها المادة 181 التي تعاقب بالحبس والغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من عاب.. في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية! ومنها أيضا المادة 184 الخاصة بإهانة المؤسسات والمصالح العامة. ولم يكتف المشروع بذلك، بل استحدث تهمة "الطعن في ذمة الأفراد" وجعل العقوبة فيها بالحبس. ولأن هذه التهمة الأخيرة تحمل شبهة تحصين الفساد وتعجيز الصحافة عن القيام بواجبها في تعقب المفسدين والفاسدين، فإن الحكومة أدخلت تعديلاً بهذا الصدد. وعندما ترددت أنباء هذا التعديل تهلل بعض حسني النية وتصوروا أن ذلك يمكن أن يكون بداية لانفراج الأزمة بعدول الحكومة عن أحد أهم النصوص التي تقوض العمل الصحفي من أساسه. لكن فرحة هؤلاء لم تستمر طويلا، حيث اقتصر هذا التعديل علي إبقاء المادة 308 علي حالها القديم وإضافة تعديلات علي المادة 303 تقضي بأن يعاقب علي القذف بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد علي 15 ألف جنيه. فإذا وقع القذف في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة فكانت العقوبة غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد علي 20 ألف جنيه. فإذا تضمن القذف طعناً في الذمة المالية فيما يتعلق بأعمال أي من هؤلاء كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد علي سنتين أو غرامة لا تقل عن 15 ألف جنيه ولا تزيد علي 30 ألف جنيه. أي أن كل ما حدث هو أن الحكومة نقلت المصيبة من مادة إلي مادة أخري وجعلت الحبس جوازيا لمدة تصل إلي سنتين! إذن.. النية مبيتة لتعجيز الصحافة عن القيام بواجبها بحرية، وإبقاء رقبتها تحت سيف الحبس المشهر.. خاصة في ظل تعذر حصول الصحف علي المعلومات، أو استحالة ذلك في كثير من الحالات. ومعني هذا أن تتحول الصحف إلي نشرات رسمية أو شبه رسمية تمشي إلي جوار الحائط، وتتجنب الخوض في أي قضية أو النبش بحثا عن جذور أي مسألة تهم المجتمع والرأي العام، ولا تفتح فمها إلا بناء علي التعليمات أو المعلومات التي يتفضل أساطين البيروقراطية بإلقائها في حجر هذا الصحفي أو تلك الصحيفة للأسباب التي تهمهم وتتعلق بحساباتهم ومعاركهم الصغري والكبري، لا لحساب الوطن أو مصلحة الأمة. إن قانونا كهذا.. لا يجب أن يمر.. ويجب أن يتصدي له كل محب للديموقراطية في هذا البلد.