الآن.. نستطيع أن نلتقط أنفاسنا اللاهثة بعد أن تم رفع سيف السجن المسلط علي رقاب الصحفيين، وغير الصحفيين، في قضايا النشر.. ولو مؤقتا. هذا التطور الايجابي جاء بعد أيام عصيبة تلت صدور حكم بسجن الزميل عبد الناصر الزهيري، ومما زاد من توتر ردود الأفعال لهذا الحكم انه جاء في الذكري الثانية لصدور وعد الرئيس حسني مبارك بالغاء التشريعات التي تجيز الحبس في قضايا النشر! ونتيجة لهذه المفارقة انتفضت الجماعة الصحفية، وهذا أمر يستحق التأمل، لأن الصحفيين المصريين لا يرتفع صوتهم علي هذا النحو من أجل مطالبهم الحياتية المشروعة، بقدر ما يرتفع إلي عنان السماء، ويجلجل، عندما تكون حرية الصحافة مهددة! وبالتوازي مع انتفاضة الصحفيين ضد سيف الحبس، جرت اتصالات علي أعلي مستوي من أجل تدارك هذه "النكسة". وكانت نتيجة هذه الاتصالات و"المفاوضات" مثمرة، وكانت ثمرتها هي البيان التالي: من السيد نقيب الصحفيين والسيد الدكتور محمد إبراهيم سليمان: التزاماً وتقديراً لوعد السيد الرئيس محمد حسني مبارك بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر، ودعما لحرية التعبير ودور ورسالة الصحافة، وتماشيا مع المناخ الذي يدعم نحو المزيد من الاصلاح السياسي والديمقراطي. وفي اطار الاتصالات المكثفة التي جرت بين السيد محمد صفوت الشريف رئيس المجلس الأعلي للصحافة والسيد جلال عارف نقيب الصحفيين والسيد أنس الفقي وزير الاعلام والدكتور محمد إبراهيم سليمان وزير الاسكان السابق. وبناء علي البيان الصادر من المجلس الأعلي للصحافة والذي أكد علي الحرص علي مصالح المجتمع، وتوفير المناخ المناسب لممارسة الحرية بكل مسئولية ولقيام العلاقة بين الصحافة والمجتمع علي أسس سليمة توفق بين متطلبات حرية التعبير ومتطلبات حقوق المواطنين، وناشد السادة الذين صدرت لصالحهم أحكام أو مازالت قضاياهم متداولة أمام المحاكم أو أمام جهات التحقيق بإنهاء هذه القضايا بالتصالح أو التنازل عنها. فقد استجاب الدكتور محمد إبراهيم سليمان لمناشدة المجلس الأعلي للصحافة وأكد احترامه لمبادرة السيد الرئيس محمد حسني مبارك بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر كما اعتبر ان الاحكام القضائية التي صدرت لصالحه بمثابة انصاف له من سلطة مستقلة تجعله ينأي عن قبول حبس الصحفيين وعلي ذلك قد وافق علي التنازل عن جميع القضايا التي رفعها أمام المحاكم والبلاغات التي تقدم بها للنيابة العامة ضد الصحفيين. وقد أكدت جميع الأطراف علي حق المواطنين (ومن بينهم الصحفيون والكتاب) في نقد السياسات العامة بعيداً عن المساس بالحياة الشخصية والعائلية وضمن الاطار المحدود لأي خصومة وهو حماية للمصلحة العامة، وأن ما تم تناوله من كتابات في هذا الشأن كان الأصل فيها سلامة القصد بعيداً عن أي اساءة لشخصه. والنقابة باعتبارها تعبر عن جموع الصحفيين تعرب عن اعتزازها وتقديرها لمبادرة السيد الوزير بالتنازل عن جميع القضايا المرفوعة منه. توقيع جلال عارف نقيب الصحفيين د.محمد إبراهيم سليمان هذا البيان الذي تم توقيعه يوم الجمعة الماضي الموافق 3 مارس، يتضمن عدداًمن النقاط المهمة: 1- تنازل الدكتور محمد ابراهيم سليمان وزير الاسكان السابق عن جميع القضايا التي رفعها أمام المحاكم والبلاغات التي تقدم بها للنيابة العامة ضد الصحفيين. 2- تأكيد جميع الأطراف علي حق المواطنين جميعا، بما في ذلك الصحفيون في نقد السياسات العامة، فهذا حق لا يمكن التنازل عنه. 3- التأكيد الموازي علي أن نقد السياسات العامة لا يجب أن يكون تكئة للمساس بالحياة الشخصية والعائلية. 4- التأكيد علي التوازن بين متطلبات حرية التعبير ومتطلبات حقوق المواطنين. 5- التأكيد علي الالتزام بوعد الرئيس مبارك بالغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر. هذه النقاط المتوازنة، حيث لا غالب ولا مغلوب، تمثل خطوة للأمام تزيل التوتر الذي أعقب الحكم بسجن عبد الناصر الزهيري الصحفي بجريدة "المصري اليومي" وهي - علي أهميتها - لا تنهي الأزمة وانما تخفض من حدتها فقط. فالأزمة لن تنتهي إلا بالغاء التشريعات التي تجيز الحبس في قضايا النشر، وهذا ما لم يحدث بعد، وهذا ما لن يحدث إلا بتقديم مشروع قانون إلي الدورة البرلمانية الحالية. والمشكلة بهذا الصدد ان نقاية الصحفيين قد تقدمت بمشروع قانون منذ ست سنوات شارك في صياغته حكماء الصحفيين وشيوخهم فضلا عن كبار العقول القانونية والدستورية المصرية، وهذا المشروع "تاه" في دهاليز مجلس الشعب لكنه مازال موجوداً بالطبع ولا ينقص سوي وضعه علي جدول الأعمال، وهذه هي مسئولية هيئة المجلس. لكن يبدو أن هيئة المجلس الموقر تنتظر مشروعا ثانيا غير المشروع المقدم من نقابة الصحفيين، وهذا المشروع الثاني تتم صياغته في المطبخ التشريعي للحكومة. ورغم ان هذا المشروع الحكومي مازال سريا، حيث لم يطلع عليه أحد، فان التسريبات توحي بأن هناك خلافات واختلافات كثيرة بين المشروعين. وأن أهم هذه الاختلافات تكمن في "حجم" الغرامة المالية، التي هي البديل عن عقوبة الحبس، والخوف أن يكون حجم الغرامة المقترح من ترزية القوانين الحكومية فارها بحيث يفضل الصحفي الحبس عليه! ولذلك.. فان الحكومة مطالبة بابداء قدر أكبر من الشفافية، وأن تحدد موعداً محدداً لتقديم مشروع القانون المعني في أقرب فرصة وأن تكشف النقاب عن بنود هذا المشروع "السري" حتي تتاج الفرصة للرأي العام للاطلاع عليها ومناقشتها ليس فقط في نقابة الصحفيين وانما في شتي مراكز التفكير والمجتمع المدني، لأن هذا التشريع ليس خاصاً بالصحفيين فقط، وانما يخص المجتمع بأسره. فغني عن البيان أن إلغاء حبس الصحفيين هو قلب قضية حرية الصحافة، وحرية الصحافة هي قلب قضية الحريات، وقضية الحريات هي قلب قضية الاصلاح السياسي والدستوري. وياليت الفرحة.. أن تتم. [email protected]