ازدادت محنة الشعب الفلسطيني تعقيدا هذه الايام وكأن الاحتلال لا يكفيه مع ما يترتب عليه من كبت للحرية واذلال عند نقاط التفتيش وترويع للآمنين وتهديد حياتهم وارزاقهم كأن كل ما مر من مآس بشعب فلسطين غير كاف ليتعرض لتجربة جديدة ومريرة هي الدخول في نذر حرب اهلية وشيكة بين انصار الحكومة المنتخبة من حماس وانصار حركة فتح كبري الفصائل والتي ينتمي اليها الرئيس محمود عباس. وما اثار النزاع المتفجر هو الموقف الذي ترتب علي انتخاب رئيس للسلطة يتبني موقفا سياسيا مناقضا او مختلفا تماما مع موقف الحكومة التي شكلتها حماس.. الرئيس منتخب من الشعب وحصل علي اغلبية كبيرة بعد وفاة الرئيس عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني وقبل انتخابه اعلن عباس برنامجه المرتكز علي الحل السلمي للصراع مع اسرائيل وفق الثوابت الفلسطينية وما انتهت اليه المبادرات العربية والدولية.. دولة فلسطينية علي الاراضي المحتلة بعد يونية 67 وعاصمتها القدسالشرقية وحق عودة اللاجئين وغير ذلك من الثوابت وقيل وقتها -ولا يزال يقال- ان انتخاب الشعب لمحمود عباس يعني موافقة علي برنامجه. والحقيقة ان محمود عباس شخصية تحظي باحترام دولي وقد ابدي مرونة كبيرة جعلت من وجهة النظر الفلسطينية مقبولة دوليا الا ان عجزه عن فرض الامن وفق شروط اسرائيلية متعسفة وضعها شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق جعل الازمة تراوح مكانها ولم ينجح في تحريك الموقف باتجاه المفاوضات كما لم ينجح في اقناع الولاياتالمتحدة بخطورة الموقف المتجمد عند وجهة نظر الاسرائيليين علي عملية السلام برمتها. وبناء علي الجمود الشديد نجحت حركة حماس في الحصول علي الاغلبية وشكلت الحكومة المرفوضة دوليا والواقعة تحت الحصار.. وحركة حماس معروفة بأنها ترفض الاعتراف باسرائيل ورفضت حكومتها الاعتراف بالمواثيق والتعهدات التي سبق واعترفت بها الحكومة الفلسطينية السابقة. وتجلت الازمة بزيادة الضغوط علي الشعب الفلسطيني وعجز حماس عن حل مشكلتها مع المجتمع الدولي بل واتجاهها لتحالفات تزيد الموقف تعقيدا.. وفي نفس الوقت فان الرئيس الفلسطيني لا يستطيع ان يفرض علي حماس ان تلتزم بسياسات تقول هي ان الشعب اختارها علي اساس تلك السياسات.. فما الحل اذن؟ لا حل يبدو في الافق الا العودة الي الشعب الذي اعطي اغلبية لاتجاهات متناقضة في نفس الوقت، ولا معني لاستمرار النزاع بدون العودة الي الشعب ليقرر مرة اخري هل يوافق علي سياسة ابومازن، ام علي سياسة حكومة حماس. ولا معني لرفض الاحتكام الي الشعب بأي حجج قانونية او غيرها واذا لم يكن الشعب هو الحكم في مثل هذه الامور الجوهرية ففي اي امر آخر يمكن الاحتكام اليه؟