تتكالب المشكلات علي شركة البرمجيات الأمريكية العملاقة مايكروسوفت من كل اتجاه ولعل أخطرها هو قيام شركات الانترنت مثل جوجل وياهوو بتقديم البرمجيات مجانا عبر الانترنت كخدمة مدعومة إعلانيا لأنه يضرب النشاط الأساسي لشركة مايكروسوفت ويهدد إيراداتها في الصميم. وتقول مجلة "فورتشن" إن مايكروسوفت صارت في أزمة حقيقية وإن بيل جيتس قرر الاستعانة بخبير من خارج الشركة هو راي أوزي لإعادة بناء مايكروسوفت من جديد وتأهيلها لدخول عصر الانترنت بدلا من أن تظل شركة منتجة للبرمجيات فحسب. أما مجلة "الإيكونوميست" فتري أن مايكروسوفت صارت واقعة أيضا بين مطرقة سلطان مناهضة الاحتكار وسندان الشركات المنافسة.. ففي الشهر الماضي تقدمت جوجل بشكوي للسلطات الأمريكية تقول إن النسخة المطورة من متصفح الانترنت الذي تنتجه مايكروسوفت نسخة منحازة إلي اَلة البحث الخاصة بالشركة وأنها يمكن أن تحول إليها بطريق الخطأ كثير من طلبات البحث التي تخص اَلات أخري مثل جوجل ذاتها.. ورغم أن المستخدم يمكنه أن يصحح مثل هذا الخطأ فإن جوجل تري فيه ميلا إلي الاحتكار. وعلي جانب اَخر فإن سعر سهم مايكروسوفت قد انخفض منذ أيام بنسبة 11% في يوم واحد وذلك علي الرغم من إعلان الشركة عزمها علي إنفاق 5.2 مليار دولار لتطوير عملها في مجال الألعاب الالكترونية وتكنولوجيا البحث وأدائها علي الانترنت خاصة بالنسبة لبرمجيات الأوفيس ونظام التشغيل المعروف باسم فيستا. لقد بدأت مايكروسوفت في الخريف الماضي من العام الحادي والثلاثين من عمرها محملة بأوزار الجزاءات التي وقعها ضدها الاتحاد الأوروبي عام 2004 بسبب برنامجها الشهير المعروف باسم النوافذ وما يتضمنه من محاولة لاحتكار سوق برمجيات الكمبيوتر الشخصي وها هي تستعد لمواجهة قضايا وجزاءات أخري بسبب متصفح الانترنت الخا ص بها. وتقول الأرقام إن متصفح الانترنت الخاص بمايكروسوفت يسيطر علي 85% من السوق أما الباقي فهو من نصيب المتصفح المنافس فاير فوكس.. أما في مجال البحث فتأتي مايكروسوفت في المؤخرة فاَلة بحث جوجل تستحوذ وحدها علي 50% من السوق مقابل 28% لاَلة بحث ياهوو، أما مايكروسوفت MSN فلا يزيد نصيبها علي 13% فقط وهذا يعوق قدرة مايكروسوفت علي الاستفادة بما يكفي من كعكة إعلانات الانترنت البالغ حجمها 5.12 مليار دولار في عام 2006 وينتظر أن تتضاعف مع حلول عام 2010. ووسط هذه الهموم المتكاثرة يبدو بيل جيتس معنيا أكثر من أي شيء اَخر بنقل مايكروسوفت أو بالأحري تحويلها إلي شركة من شركات الانترنت إلي جانب عملها الأصلي كمنتج للبرمجيات.. وقد أوكل جيتس هذه المهمة إلي راي أوزي الذي تقول "فورتشن" إنه أحد عباقرة البرمجيات في العالم شأنه في ذلك شأن جيتس نفسه.. وبرغم أن تعيين أوزي في مايكروسوفت لم يحدث إلا منذ نحو عام وبضعة أسابيع فإن فكرة الاستعانة به متبلورة منذ سنوات طويلة.. ويبدو أن هناك اتفاقا تاما بين جيتس وبين ستيف بولمر رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت علي أن أوزي هو العقل الجديد الذي يمكن الركون إليه لتطوير شركتهم وإخراجها من أزمتها الراهنة. ففي شهر يونية الماضي عقد بولمر مؤتمرا ضم أكبر 15 مديرا في مايكروسوفت واستمرت جلسات هذا المؤتمر 14 ساعة لمناقشة موضوع واحد هو كيفية تأهيل الشركة لدخول عصر الانترنت وكان نجم هذا المؤتمر ومديره هو راي أوزي الذي لم يكن قد مضي علي تعيينه سوي نحو شهرين فقط.. ومنذ ذلك التاريخ راحت سلطات أوزي تتسع للإشراف علي تنفيذ خطة التطوير التي اتفق عليها في هذا المؤتمر التي تشمل استراتيجية مايكروسوفت وثقافتها وأنشطتها المختلفة وكذلك هيكل الشركة. وتقول "فورتشن" إن أوزي البالغ من العمر50 عاما، ذلك العبقري أبيض الشعر قد حظي باحترام كبير فور تعيينه خاصة في المسائل الفنية.. وقد بدأ أوزي عمله في مايكروسوفت منذ مطلع الثمانينيات ولكنه تركها في عام 1995 ليؤسس شركة جروف نيت ووركز التي تعمل في مجال البرمجيات والانترنت، وقد حاولت مايكروسوفت كثيرا شراء شركة جروف ولكن أوزي كان يرفض إلي أن وافق في مارس من العام الماضي علي بيعها لمايكروسوفت مقابل مبلغ لم يعلن عنه والانضمام مرة أخري إلي صفوف مايكروسوفت كواحد من القادة المرموقين فيها بحيث يمكن القول بأن قيادة هذه الشركة لم تعد قيادة ثنائية "جيتس بولمر" بل صارت قيادة ثلاثية منذ عودة أوزي إلي صفوفها. غاية القول أن مايكروسوفت تواجه ظروفا محبطة علي مختلف المستويات.. صحيح أنها لاتزال شركة رابحة وأن لديها احتياطي سيولة بلغ في الربع الأول من هذا العام 35 مليار دولار إلا أن معدل نمو أرباحها في تراجع كما أن إيراداتها لم تزد في عام 2005 إلا بمعدل 8% فقط لتصبح 39.8 مليار دولار أما إيرادات جوجل فقد زادت بنسبة 92% في العام نفسه لتصبح 6.1 مليار دولار. وهذا هو الفارق بين صناعة البرمجيات التي صارت محدودة الإيرادات وبين الأفق الإعلاني الفسيح الذي تبشر به شركات الانترنت في السنوات القادمة.. وهذا هو ما يحاول أوزي أن يحفظ لمايكروسوفت نصيبا وافرا منه مدركا أن كل ما يفعله سيكون موضع تدقيق الجميع داخل وخارج الشركة.