لابد أن هناك وسيلة ما لمعرفة ماذا كان يدور في ذهن الشخص الذي لبس حزاما ناسفا واندس في وسط اهله ومواطنيه وفجر نفسه ليقتلها ويأخذ معه العشرات بين قتيل وجريح. ولابد أن علماء النفس لديهم تفسير لكيفية "برمجة" عقل بشري ليصبح خاضعا لتوجيه من عقل آخر اكثر قوة وسطوة يوجهه ويأمره بارتكاب جريمة قتل جماعية بهذه الصورة التي نراها في الحوادث الارهابية. والقاتل الانتحاري هنا لا يعتبر "شخصا" لكنه في الحقيقة اداة تنفيذ لارتكاب جريمة.. وهنا ينبغي التركيز علي الظروف التي تسمح لبعض الاشرار من شياطين الانس بالسيطرة علي عقول شباب او فتيات واقناعهم بالقيام بأعمال انتحارية. وحين سمعت المحللين الذين تصدوا للكلام حول حادث "دهب" الاخير انتبهت الي هذه النقطة وهي ان الانتحاري دخل بنفسه وسط تجمع من المصريين في سوق دهب أو في شارعها الرئيسي المكتظ بالمحتفلين بعيد شم النسيم وبينهم "قلة" من الاجانب وصافح وجوههم ونظر في عيونهم وربما احصاهم عددا قبل ان تنطلق اشلاؤه مع المتفجرات التي يحملها فتحصد الأرواح والممتلكات. والمؤكد ان الاشخاص الذين يقومون بهذا العمل يتم زرع دافع داخلهم يجعلهم يوافقون علي التخلص من حياتهم مقابل القضاء علي حياة اشخاص آخرين.. وهذه في الواقع ثقافة خبيثة مهما كان الوعاء الذي يحملها سواء كانت افكارا دينية متطرفة وهي في هذه الحالة تفقد وصفها ب"الدينية" أو أفكارا اجتماعية خبيثة وهي في هذه الحالة ايضا تفقد صفتها الاجتماعية. ولابد ان الذين يقومون بزراعة الافكار المتطرفة والخبيثة سواء كانت دينية أو اجتماعية يستفيدون من الظروف العامة التي تسمح لهم بتجنيد فئة من الشباب الغاضب او الحاقد او اليائس من اوضاع حقيقية او يجري تصويرها علي انها حقيقية. واذا كان الشباب الذي يتورط في الاعمال الارهابية غاضبا او يائسا من شيء ما فعلي المجتمع ان يساعد علي عدم استخدامه كسلاح ارهابي يستغله البعض لاغراض معينة. ومنذ زمن بعيد ونحن نقول وسنظل نقول ان التلاعب بالافكار والعواطف الدينية خطر، والتلاعب بالامن الاجتماعي باثارة الحقد والبغضاء بين الناس علي اساس الفقر او الغني، او النفوذ او التهميش الاجتماعي، كل ذلك يؤدي الي خلل في نفسية المجتمع ويفرز "أدوات بشرية" لتنفيذ العمليات الارهابية.