وتمتد سياسة الكيل بمكيالين الي التباين الذي اتضح بصورة اكبر أثر زيارة الرئيس الامريكي الاخيرة لآسيا، فقد سارع بوش الي عقد اتفاق نووي وصفه بأنه تاريخي يسمح ببيع التكنولوجيا الامريكية الي الهند وينهي بذلك حصارا دوليا مفروضا منذ 30 عاما علي الانشطة النووية الهندية. فرغم التزام نيودلهي بتصنيف 14 مفاعلا نوويا كمفاعلات مدنية ووضعها تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضمن مجموعة من الشروط التي وضعتها الولاياتالمتحدةالامريكية، احتفظت الهند في نفس الوقت بالحق التام في اتخاذ اية اجراءات تراها مناسبة وضرورية في حال لم يتم تزويدها بالوقود النووي الذي تحتاجه وبمعني آخر بمقدور الهند عدم تطبيق المواصفات والشروط من الوكالة الدولية للطاقة الذرية اذا لم تلتزم الولاياتالمتحدةالامريكية بالتزاماتها حسب الاتفاقية واذا لم تقم الدول التي تصدر الوقود النووي بتزويد الهند به المهم ايضا ان الاتفاقية لا تمثل اعترافا دوليا بالهند كدولة نووية فقط بل هي اعتراف بالقدرات العسكرية النووية الهندية التي تعتبر وحتي هذه اللحظة قدرات ذاتية اصلية مائة بالمائة وبذلك كسبت الهند الاعتراف الاقليمي والدولي بها كقوة نووية شاء من شاء وابي من ابي مع الاحتفاظ الكامل بكل السيطرة علي برنامج البلاد العسكري الاستراتيجي النووي والاحتفاظ بمسألتي الردع النووي والمفاعلات العسكرية الحالية ومصير المفاعلات المستقبلية في يد صانع القرار الهندي فقط الذي يتحكم وحده في تحديد اي من المفاعلات له استخدام مدني وأيها عسكري فضلا عن ان المواد ذات الاستخدام الثنائي العسكري والمدني ستوضع تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي مراحل منذ هذا العام وحتي عام 2014. الحلفاء حظوظ ورغم هذا الكرم الشديد مع الهند الذي انهي عزلتها النووية عالميا المفروضة منذ اجرت اولي تجاربها النووية قبل 30 عاما الا ان بوش رفض بشكل حازم طلبا مماثلا من باكستان التي زارها عقب زيارة الهند مباشرة ومع ان الرئيس الامريكي حرص خلال زيارته علي كيل المديح واطناب الثناء علي الرئيس الباكستاني برويز مشرف لما يقدمه من خدمات جليلة للولايات المتحدة في حربها علي ما تسميه الارهاب غير انه لم يتحرج عندما تلقي سؤالا عن امكانية معاملة باكستان بنفس اسلوب معاملة الهند عن القول بان باكستان والهند مختلفان ولكي منهما احتياجاته المختلفة وتاريخه المختلف منهيا بذلك اي احلام راودت الباكستانيين. ويعلم الجميع ان واشنطن تعتبر كلا من ينودلهي واسلام أباد حليفين لها لكن الحلفاء درجات تختلف درجة كل منهم حسب تماهيه وانسجامه مع المخططات الاستراتيجية للقوة العظمي الوحيدة في هذا العالم ورغم ان الاعلام الامريكي حاول تبرير موقف واشنطن بأنها مازالت لا تأمن جانب الدولة المسلمة في باكستان بعدما اثير عن قيام عبدالقدير خان الذي اطلق عليه ابو القنبلة النووية الاسلامية ببيع اسرار نووية لبلدان اخري والتشكيك في احتمال وصولها لدول ترعي الارهاب ولاشك ان قصة خان هذه لاترقي حتي الي مجرد الذريعة التي يمكن اجبار النفس علي تصديقها فالحقيقة انه ما من ساذج يمكنه تصديق ان تعامل امريكا باكستان مهما قدمت من فروض الطاعة والعون في الحرب علي الارهاب بنفس معاملة الهند التي تحتفظ بعلاقة صداقة قوية مع اسرائيل منذ اكثر من اربعين عاما عندما قدمت اسرائيل في عام 1965 للهند بمناسبة حربها مع باكستان كميات ضخمة من الاسلحة والمعدات العسكرية خاصة في مجال الصواريخ المضادة لدبابات وقذائف المدفعية واجهزة الاتصالات وفي 1967 ارسلت الهند لاسرائيل كميات ضخمة من قطع غيار مركبات القتال التي تحتاجها في حربها ضد العرب خاصة بالنسبة لدبابات ام اكس 13 وفي اعقاب هذه الحرب ارسلت الهند وفدا عسكريا الي اسرائيل للوقوف علي الخبرة الاسرائيلية في القتال علي اكثر من جبهة وكذا تخطيط وتنفيذ العمليات البرية الشاملة وبعد حرب 1973 تعددت زيارات الوفود الهندية لاسرائيل للحصول خبرات الحرب الالكترونية وعقب غزو لبنان 1982 حرصت الهند علي الحصول علي الخبرة الاسرائيلية في مجال توجيه الضربات الجوية باستخدام طائرة الاستطلاع والانذار المبكر الاسرائيلية E2C وانعكس هذا في طلب الهند من اسرائيل تزويدها في التسعينيات بنظام فالكون للانطار المبكر واستمرت العلاقات الثنائية القوية حتي الآن.. حيث تعد الهند المشتري الاول لصناعة الاسلحة الاسرائيلية فهي تشتري منها سنويا بمعدل 2 مليار والهند خامس دول العالم في مشتريات الاسلحة المتقدمة بعد امريكا وروسيا والاتحاد الاوروبي واليابان بالتالي لها مع اسرائيل علاقات رئيسية باعتبار ان اسرائيل تقترب من التكنولوجيا المتقدمة التي وردت قاعدتها الاساسية من الولاياتالمتحدة واوروبا وبالتالي تعتبر الهند عميلا هاما لمشتريات السلاح الاسرائيلية علاوة علي انها شريك استراتيجي للدولة الصهيونية فهل يمكن بعد ذلك ا ن تعامل باكستان علي قدم المساواة مع الهند؟.. اضف الي ذلك ان التعاون النووي بين الولاياتالمتحدة والهند يصب ايضا في خانة دعم مخططات القطب الاوحد للذود عن مكانته العالمية المهيمنة ضد مارقين من امثال كوريا الشمالية التي خفت حدة الهجوم علي برنامجها النووي حاليا ربما حتي الانتهاء من ملف ايران، وخشية فتح جبهات اخري لا تحمد عقبي فتحها مع الصين مثلا. من يخرج منتصراً؟ ورغم وصول الملف الايراني الي مجلس الامن الا ان هناك محللين يعتقدون ان طهران ستخرج منتصرة من هذه المواجهة اذا تصاعدت الازمة فمن الواضح ان روسيا والصين ستستعملان علي الارجح حق الفيتو لتعطيل صدور قرار من مجلس الامن وحتي لو صدر قرار بعقوبات ثانوية فلن تسمحا بصدور قرار لاحق بتعلق باستعمال القوة لردعها واذا اصرت الولاياتالمتحدة علي استعمال القوة ضد ايران دون موافقة مجلس الامن رغم ان هذا الاحتمال لايبدو قويا مع الوضع السيئ الذي تعانيه امريكا في العراق فلن تستطيع اي دولة مهمة في العالم ان تقبل بمجاراتها والتحالف معها. كما ان اي ضربة عسكرية امريكية تستهدف المفاعل النووي الذي تتولي روسيا بناءه لحساب ايران في بوشهر او اي منطقة اخري يشك بوجود انشطة نووية ايرانية فيها سواء بقوات امريكية مباشرة او غير مباشرة - تتستر وراء هجمة طيران او صواريخ اسرائيلية مثلا علي ان تتعهد الولاياتالمتحدة كالعادة وعبر سلاح الفيتو بشل يد المجتمع الدولي عن معاقبتها فانها فضلا عما ستخلفه من خسائر بشرية وبيئية ضخمة سوف تساهم في اضعاف علاقات امريكا بروسيا وغيرها من الدول الاخري مما سيزيد فرص عزل الولاياتالمتحدة عالميا ويخلخل قواعد عرش القطبية الاحادية فيعجل بسقوطها من عليه. [email protected]