في بعض الأحيان أشعر أن الكلمة الأمينة "دمها تقيل" علي السلطة أقول ذلك رغم التزامي بعفة الكلمة وأدب المخاطبة والمباشرة في التوجه وليس التهويمات أو أسلوب الكتابة بطريقة "الضرب ع القفا". ولست أدري لماذا صرنا نمر علي كل الكلام مهما كانت جديته ولا نعبأ به؟ ومع ذلك لم يتسلل اليأس إلي قلبي ولم أفقد بعد متعة التفكير في هموم هذا الوطن، وأفكر الآن بهدوء متأملا ما جري ويجري علي الساحة السياسية والفكرية والصحفية، انه ليس "حراكا" سياسيا كما يقال بل هو "وبالا" سياسيا ان كنتم لا تلعمون! صحيح ان النخبة مشغولة بهذا الحراك أو الوبال ولكن عموم المجتمع وناس مصر مشغولون بلقمة العيش والبطالة وجواز البنات، وحين افكر فيما جري ويجري من صدام وفتن وتشكيك وتلفيق ومحاولات لهز ثوابت أمة ويظهر ذلك جليا علي صفحات صحف المعارضة والصحف المستقلة والقنوات الفضائية المصرية التي اقحمت نفسها في السياسة لتمشي في الزفة، حين أفكر في هذا الأمر اكتشف - كما اكتشف الناقد الراحل د.لويس عوض (أن العقد تتحكم في اخلاق الكثيرين ممن بيدهم الأمور)، واكتشف اليوم وليس غدا ان (الاصلاح الاجتماعي) أكثر أهمية من الاصلاح السياسي، بل ان الاصلاح الاجتماعي هو المقدمة للاصلاح السياسي، وغني عن الشرح أن الحياة السياسية والفكرية والصحفية يديرها بشر وغني عن الايضاح ان هؤلاء تتحكم فيهم الأهواء والعقد. (يمكن مراجعة أحداث الوفد الأخيرة) والناس في بلادي مثقلون بتركات من التخلف الاجتماعي فلا أحد من الشباب المتعلم يصحب عروسه إلي مكتب الفحص الوراثي علي راغبي الزواج خشية المفاجآت ثم يتم الزواج ويأتي أطفال يعانون من البلاهة والتخلف، ولا أحد من المرضي النفسيين يجرؤ جهارا نهارا علي الذهاب إلي عيادة نفسية للعلاج ويظل المريض حاملا العقد والمرض ويمارس حياته ويعذب مرؤسيه ان كان مديرا لعمل ويرهق زوجته ان كان زوجا، ومازالت قضية الختان بين ما تطل الدولة وبين ما تعود عليه الأهل من سالف العصور، مازالت في المجتمع عادات نفسية وذهنية جديرة بالاستئصال. هذه العادات تعشش في العقول وتحكم التفكير وتؤثر في حركة المجتمع محلك سر وعندما يسمع ناس في المحكمة حكما علي تهم فيخلعون المقاعد الخشبية ويلقونها علي المنصة ويسبون القضاة، فهذا الحادث أو الخبر نذير شؤم انها بلطجة خلقية وبشر لم يعرف التربية وإصلاحه ضرورة حتمية والا اختلط الحابل بالنابل كما كان يقول أحمد بهاء الدين، ففي المجتمع الآن حالة (حماقة) وليس حراكا سياسيا لماذا تضعون عناوين هزلية لقضايا حادة، الشعب ده عاوز تربية ويحتاج لاصلاح اجتماعي طويل - لانها قضية معنوية - اصلاح من أجل غربلة القيم والعادات التي صارت جزءا لا يتجزأ منا واصبحت عاداتنا مصدر شقائنا أن في بلدنا اساتذة وعلماء في الاجتماع وعلم النفس وعلم الاجتماع السياسي. هؤلاء - بامكانهم - تقديم وثيقة لهز الموروث الاجتماعي وتغيير عاداتنا القبيحة التي تعوق التطور، هؤلاء - بامكانهم - مناقشة مفتوحة في أروقة الجامعات وداخل النقابات لاحداث رأي عام حول التخلص من عادات تسلطت علينا ولا تزال، وأيضا من المهم ان تتراجع الفتاوي المتخلفة حتي لا يرتبك الناس فهناك اصلاح اجتماعي ويقابله فتاوي ملتحية! لابد ان الانسان العادي سيصدق الفتاوي ولذلك فضم رجال الدين المستنيرين العصريين إلي كتيبة الاصلاح الاجتماعي ضرورة حتي نقوم بعملية التخلص من الشوائب الاجتماعية في حياتنا وحبذا لو كان التعليم واعيا لهذه الخطوة لتتضمن مناهج الأطفال والصبية محتوي اكثر عمقا واحاطة بفهم جديد ورؤي متطورة واخلاقيات ليس فيها عنف أو بلطجة. اريد ان أشعر أن في بلدي عقولا تعي أهمية هذا الاصلاح وتعرف مقدراته اريد ان اشعر أني لست وحدي أفكر في هذا الأمر. شاركوني التفكير ولا تنسوا ان منظمة الصحة العالمية وهي تضع مواصفات او تعريف الصحة لم تقل أن الصحة هي (الخلو من الأمراض) بل قالت انها "جودة نوعية الحياة" أي حياة بدون كلاكيع ولاعقد ولا عادات تنزل بنا إلي قاع التخلف ولا فتاوي تشدنا إلي الوراء، ان الدنيا تتطورو والتكنولوجيا تصنع ما هو مذهل، وعلينا ان نغير انفسنا ونستفيد من أدوات العصر.. بشكل ايجابي فالسكين التي نقطع بها الزبد والجبن، هي نفس ذات السكين التي ترتكب بها جرائم تسوق صاحبها لحبل المشنقة. قفوا لحظة عن اللهاث في الحياة وفكروا ماذا لو كان الاصلاح السياسي في يد معقدين ومتخلفين وتقليديين؟! قفوا لحظة واعطوا مساحة لرواد العمل الاجتماعي لاجتثاث الآفات الاجتماعية من تربة بلادي.