حتي شهر مارس الحالي كانت ناسداك معروفة في لندن كبورصة أمريكية تتعامل مع شركات التكنولوجيا ويهبط مؤشرها أو يصعد مع تراجع أو انتعاش شركات الدوت كومز. ولكن نظرة الناس في لندن إلي ناسداك تغيرت فور أن تقدمت بعرضها الإجباري لشراء بورصة لندن التي حاول الكثيرون شراءها من قبل ولكنها رفضتهم جميعا. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الناس في لندن فوجئوا بعرض ناسداك علي الرغم من أنهم سبق أن تابعوا محاولات البورصة الأوروبية يورونكست والبورصة الألمانية دويتش بورص لشراء بورصة لندن وربما كان وجه المفاجأة أن عرض ناسداك كان العرض الإجباري الوحيد كما أنه أول محاولة جادة للاندماج بين البورصات عبر الأطلنطي. ويبدو أن ناسداك قد حاولت دخول أوروبا وعقدت بالفعل محادثات مع بورصة لندن حول هذا الموضوع وعندما فشلت هذه المحادثات تقدمت ناسداك بعرضها الإجباري لشراء بورصة لندن مقابل 9.5 جنيه استرليني "16.6 دولار" لكل سهم وهو ما سيكلف الأمريكيين 2.4 مليار جنيه استرليني كثمن إجمالي ويجعل العرض الذي سبق أن تقدم به بنك مكواياري بانك الاسترالي عرضا لا قيمة له خصوصا أن بنك مكواياري لم يعرض سوي 5.8 جنيه استرليني كثمن للسهم أي أقل بنسبة 60% من عرض ناسداك. وعموما فإن إدارة بورصة لندن قد رفضت عرض ناسداك علي الفور ولكن كبار حملة الأسهم مازالوا يدرسون الموقف.. وإذا تم الاندماج بين بورصة لندن وناسداك فسيكون ذلك بمثابة قفزة كبيرة في مجال اندماج البورصات المالية.. كما أن الاندماج بين الطرفين سوف يثير أيضا أسئلة صعبة من قبيل من الذي سينظم الكيان الجديد وكيف؟ وسيكون هذا الكيان الجديد هو الثاني من نوعه بعد شركة "نيس جروب" التي تضم شركة بورصة نيويورك وبورصة نكست الالكترونية. والحقيقة أن عرض ناسداك بشراء بورصة نيويورك كأول زواج من نوعه يمكن أن يتم بين البورصات عبر الأطلنطي قد أثلج قلوب حملة الأسهم.. ففي اليوم التالي لإعلان عرض ناسداك يوم 12 مارس قفز سعر سهم بورصة لندن إلي أعلي بنسبة 30% ووصل إلي نحو 12 جنيها استرلينيا للسهم قبل نهاية الأسبوع، وهذا يعكس ثقل العرض الذي تقدمت به ناسداك إلي جانب احتمال دخول بورصة نيويورك كمنافس. والطريف أن أسهم ناسداك قد ارتفع سعرها هي الأخري كما ارتفعت أسعار أسهم بورصة نيويورك علي الرغم من أن أسواق المال عادة ما تأخذ جانبا مضادا للمشترين. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن جون تاين رئيس شركة بورصة نيويورك قد عبر أخيرا عن رغبته في الاندماج مع البورصات الأوروبية.. وأعلنت الشركة منذ أيام عن استعدادها للرد علي مثل هذه التحركات الاندماجية بين البورصات. وعلي أية حال فإن بورصة لندن ليست هي الهدف الوحيد للبورصات الأمريكية فهناك أيضا البورصة الألمانية دويتش بورص والبورصة الأوروبية يورونكست.. وقد سبق طرح فكرة الاندماج علي هاتين البورصتين من جانب البورصات الأمريكية في مناسبات متفاوتة، ولكن احتمالات تجدد فكرة الاندماج قد قويت أخيرا بعد عرض ناسداك لشراء بورصة لندن.. بل إن الاندماج بين يورونكست ودويتش بورص قد يكون هو الخطوة الأسرع.. فقد أعلنت يورونكست التي زادت أرباحها في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 53% عزمها علي إعادة مليار يورو "831 مليون دولار" إلي المستثمرين في صورة عوائد موزعة أو إعادة شراء أسهم، وقالت إدارة يورونكست إنها عازمة علي إصلاح الأمور مع الألمان.. وعندما سئل جين فرانسوا نيودور رئيس يورونكست عن المحادثات مع البورصة الألمانية قال الرجل إن هناك وقتا للحديث ووقتا للعمل خصوصا أن البورصة الألمانية تريد أن تكون هي صاحبة اليد الطولي في شركة الاندماج. وعلي جانب اَخر يمكن القول بأن عرض يورونكست لشراء بورصة لندن لا يزال ممكنا إحياؤه ويبقي جس نبض حملة الأسهم في يورونكست لمعرفة مدي استعدادهم لمواجهة ناسداك وتخليص بورصة لندن من أيديهم.. وعموما فإن المخاوف تنتاب مستخدمي بورصة لندن من أن يصبحوا ذات يوم تحت رحمة اللوائح الأمريكية المتشددة في مجال تنظيم عمل البورصات إذا ما نجحت ناسداك في شراء بورصة لندن. وغاية القول إن أول اندماج عبر الأطلنطي بين البورصات إذا تم فإنه لن يكون الأخير ولذلك فإن عرض ناسداك لشراء بورصة لندن قد حرك لدي البورصات الأوروبية غريزة الدفاع عن النفس حتي لو أدي ذلك إلي استباق الأحداث وإحياء عمليات اندماج أوروبية كانت معطلة من قبل.