من النكت الكوميدية السوداء في بلدنا المصون هي رسائل الدكتوراه، فقد وصل التردي حدا مأساويا، ونقرأ يوميا عن الرسائل المنقولة أو المكررة، او التي يتسبب مناقشوها في حالة ارهاق لا مبرر له سوي الضغط العصبي علي الدارس الجاد الذي قضي سنوات في اعداد هذه الرسالة، فالتعذيب يكون دائما من نصيب الجاد الذي يحترم نفسه ولا يقبل دور "حامل حقيبة الأستاذ الدكتور رئيس القسم" وهذه المسألة ليست جديدة، بل عمرها سنوات تتعدي اربعين عاما علي الاقل. اتذكر كل ذلك وانا اسعي لحضور مناقشة رسالة دكتوراه قامت باعدادها الدكتورة رحاب طارق الشرقاوي في طب اسنان القاهرة، وهي في منزلة الابنة بالنسبة لي، فوالدها هو صديقي واخي د.طارق الشرقاوي هذا الذي قام بتأسيس كلية طب اسنان قناة السويس، وهو من أرسي قاعدة اساسية في تعليم طب الاسنان، وهي ألا يتخرج طبيب شاب دون تدريب عملي كاف ودقيق علي جميع فروع هذا الطب وهذا التدريب العملي يقتضي ان يدرس الخريج جميع ما يخص التشريح والجسم البشري، وتلك امور تتطلب مواصلة الدراسة دون الانهماك في تخصص ضيق، فنحن بلاد لا تتحمل فكرة التخصص الضيق، علي الرغم من ان العالم كله يتجه اليه، وعمله الذي تخصص فيه هو جراحة الوجه والفم، واتقان هذا العمل يحتاج الي دراية ومذاكرة واطلاع مستمر، ودراسة للرياضيات والكمبيوتر، وكيفية رفع مقاسات الوجه والجمجمة بالتشريح الدقيق، وكانت زوجته الاستاذة الدكتورة نادية محمد علي قد شاركت في تأسيس احدي كليات الجامعات الخاصة بابداع مشهود، وهي السيدة الدقيقة التي لا تتوقف عن البحث والتدقيق والتعليم والتعلم. كان من الطبيعي ان تكون الابنة علي درجة من الجدية المأخوذة من الأب والأم، وحين جاءتها البعثة، سافرت لتكمل ابحاث دراسة الدكتوراه بدراسات تطبيقية في جامعة جورجيا بالولاياتالمتحدة علي يد الاستاذ الدكتور محمد الشعراوي الذي استقر هناك من عام 1962، وتدرب علي يده ثمانية وعشرون طبيبا مصريا اخذوا من هناك رسالة الدكتوراه.. تركت رحاب طفليها الصغيرين في رعاية الاب الذي يعمل مديرا لاحد فروع البنوك الكبيرة بالقاهرة، وقضت العام في الدراسة الجادة هناك، وعرضوا عليها ان تواصل الحياة والعمل في الولاياتالمتحدة، ولكنها اصرت علي العودة. وبالامس كانت مناقشة رسالة دكتوراه في زراعة الاسنان وهي دراسة لم تكن سهلة، فالجزء العملي التطبيقي فيها لا يترك مجالا لاي شك في ان التي قدمت هذه الرسالة هي انسانة خبرت الفك المصري والعربي جيدا، فهناك فروق بين الفك في مصر والفك في اليمن والفك في السويد والفك في الولاياتالمتحدة وهي فروق يعرفها الدارسون لطب الاسنان جيدا. اجتازت رحاب طارق الشرقاوي امتحان مناقشة الدكتوراه بامتياز مشهود وانضمت الي قافلة العلماء الذين سيعطون التلاميذ خلاصة ما يملكون من علم.. مبروك رحاب، ولتشهد طب اسنان القاهرة مزيدا من الاطباء الجادين في مستوي والدك المؤسس لكليات عديدة في عالمنا العربي، اخرها مواصلة تأسيس طب اسنان بجامعة الملك خالد.