مشيرا إلي أن هذا الكم من الرسائل يرجع إلي ضعف وإهمال الأجهزة المحلية وانعدام الصلة بين المواطنين والمجالس الشعبية والتنفيذية وأعضاء البرلمان في دوائرهم. وقال التقرير: إن هذا ما يدفع بالناس إلي مخاطبة الوزير أو المحافظ ومن بعدها الرئيس في قضايا بسيطة كان يمكن لعضو مجلس محلي وموظف بسيط التدخل لحلها، مشيرا إلي أنه بالرغم من تعدد الجهات التي يفترض أن تعمل علي حل مشاكل الجماهير، إلا أنها عاجزة عن أداء هذا الدور ومن ثم لا يبقي أمام المصريين سوي اللجوء إلي مؤسسة الرئاسة. وأكد التقرير أن الشكاوي التي أرسلها المصريون إلي سبع صحف مصرية معارضة ومستقلة وحكومية توضح أن لا أحد في مصر يهتم بالرد علي مشاكل الناس ومن ثم لا يبقي أمامهم إلا الشكوي للرئيس، فالوزارات في مصر لا تهتم بالرد علي مشاكل الناس أو وضع حلول لها. وأوضح أنه من بين 955 شكوي تتعلق بالحقوق الصحية نشرتها تلك الصحف لم ترد وزارة الصحة إلا علي 14% منها. ويحسب التقرير فقد احتلت القضايا الخاصة بالتأمينات الاجتماعية والمعاشات والضمان الاجتماعي المرتبة الثالثة من اهتمام المواطنين بواقع 513 شكوي يتم الرد علي 5% منها فيما احتلت مشكلات الحق في التعليم المرتبة الرابعة بواقع 72% ردت وزارة التعليم العالي علي 31% منها فقط. أما وزارة التربية والتعليم فلم ترد إلا علي 12% من الشكاوي الموجهة لها، وهناك وزارات لم تقم بالرد علي أي شكوي موجهة لها مثل الخارجية والهيئات التابعة لها والتي لم تكلف خاطرها عناء الرد علي أي شكوي موجهة من المواطنين إليها. ويؤكد التقرير أن هذا هو حال الأجهزة التنفيذية للمؤسسات المختلفة بالدولة التي لم ترد إلا علي 754 شكوي من أصل 5171 شكوي تقدم بها المواطنون أي بنسبة 14% فقط من إجمالي الشكاوي. يذكر أن لجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب أعدت تقريراً أشارت فيه إلي أن أكبر عدد من مشاكل الناس كان من نصيب وزارة الصحة، تليها الزراعة ثم التضامن الاجتماعي فالداخلية والكهرباء. والنصيب الأكبر من الشكاوي لسكان القاهرة ثم الدقهلية وأسوان تليها الإسكندرية والجيزة ومرسي مطروح ثم باقي المحافظات. ويقسم التقرير لعدة أبواب يحتل باب الشكاوي الواردة والتي بلغت خلال العام الماضي ما يزيد علي سبعة آلاف شكوي وتصنيفها حسب الحقوق المدعي انتهاكها جاء كالآتي: الشكاوي المتعلقة بالحقوق الاقتصادية حوالي 2825 مثلت نسبة 42% بينما الشكاوي المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية حوالي 2156 بنسب 32.3% بينما حوالي 2148 من الشكاوي خارج اختصاصات المجلس وتتعلق بشكاوي خاصة بنزاعات بين أفراد أو بالتضرر من أحكام قضائية وحوالي 165 شكوي تتعلق بانتهاك حقوق أصحابها أثناء وجودهم خارج مصر للعمل أو للدراسة. وحمل التقرير مفاجأة وهي أن وزارة الداخلية كانت أكثر الجهات الحكومية ردا علي شكاوي المواطنين حيث وصل منها 959 ردا علي 1233 شكوي يليها وزارة التضامن الاجتماعي بحوالي 712 ردا علي 712 شكوي وبعدها النائب العام بحوالي 195 ردا فالمالية 155 ردا وكانت أقل الوزارات ردا علي المجلس وزارتي البترول والبيئة. ويري شادي عبدالكريم مدير مركز الحق لحقوق الإنسان أن الردود الحكومية شكلية وتفتقد الجدية المطلوبة للتفاعل مع القضايا الحقوقية كما أنها لا تحمل حلولا لمشاكل الناس كما أن أغلب الوزارات لا تحقق بشكل واقعي علي هذه الشكاوي وتكتفي بالرد العادي علي الشكوي كما أن المجلس لا يقوم بدوره في التحقيق في هذه الشكاوي وينحصر دوره علي إرسال الشكوي إلي الجهة المعنية وانتظار الرد عليها وهو ما يدفع الناس في النهاية إلي فقدان الثقة في هذه الآلية واللجوء إلي أكبر مؤسسات الدولة وهي مؤسسة الرئاسة من أجل الشكوي علي أمل أن تهتم هذه المؤسسة وتدفع الجهة المشكو في حقها إلي التحرك وحل مشكلة المواطن. ويشير عبدالكريم إلي أن الأجهزة الحكومية لم تتعود علي ثقافة التحقيق في شكاوي المواطنين كما تعودت علي التحرك لحل مشاكل المواطنين بعد أن تضغط عليهم جهة أعلي وهناك وقائع كثيرة علي أن تدخل الرئاسة أو مجرد اهتمامها بشكوي أحد المواطنين سواء نشرت بالصحف أو وصلت إلي الرئاسة كانت سببا مباشرا في حل الكثير من المشكلات وعودة الحقوق لأصحابها وبالتالي أصبح اتفاق لدي المواطنين باختلاف طبقاتهم علي أن اللجوء للرئاسة يضمن حل مشكلاتهم. ويوضح عبدالكريم أن إهمال الرد علي الآليات الوطنية المعنية يتلقي الشكاوي مثل المجلس القومي أو منظمات حقوق الإنسان المختلفة أضعف ثقة الناس فيها وفي جدواها مشيرا إلي أن مصر تفتقد لآليات حل الشكاوي الدولية مثل تجارب الأمبودسمان أو مفوض حل الشكاوي وهي التجارب الناجحة والمطبقة في كثير من دول العالم لحل الشكاوي بين المواطنين وبعضهم وبين الدولة والمواطنين مشيرا إلي أن حل هذه القضايا كان لها أثره في تقليل نسبة التقاضي أمام المحاكم وسرعة حل شكاوي الناس. ويشير جمال بركات مدير إدارة الشكاوي بالمجلس القومي لحقوق الإنسان إلي: أن نسبة الشكاوي التي تصل إلي المجلس تتزايد ويبرز ذلك في عدد الشكاوي التي تلقاها مكتب الشكاوي بالمجلس، ففي بداية عمل المجلس عام 2004 تلقي المجلس ما يقرب من 4000 شكوي ونحن الآن في عام 2009 تلقي المجلس 11 ألفا و800 شكوي في 8 أشهر فقط وهذا يعد رقما كبيرا ويدل علي زيادة معرفة المواطنين بالمجلس. وأوضح أن هذه النسبة تدل من الناحية الشكلية علي أن زيادة اهتمام المواطنين بالمجلس أصبح ملحوظا، أما من ناحية الفاعلية فهذا لم يأت بعد ويظهر ذلك مع ضعف الردود من الجهات الحكومية وهو ما يسبب العزلة مع المواطنين ويجعل المواطنين يشعرون بعدم الثقة في أداء المجلس بسبب هذه الردود الضعيفة. وأشار إلي أن القضايا الاقتصادية والاجتماعية هي الأكثر وصولا ونسبة الشكاوي الاقتصادية تتعدي 35% من إجمالي عدد الشكاوي مضيفا أن المواطنين يحتاجون إلي كسر حالة التذبذب في العلاقة بالمنظمات فهناك مواطنون لا يزالون يخافون من اللجوء إلي مؤسسات حقوق الإنسان حتي لا تتعقد قضاياهم وذلك كان بسبب محاولات من الحكومة لزعزعة الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحقيقية من أجل إضعاف ثقة المواطنين في هذه المنظمات والتشكيك فيها بشكل كبير حتي لا يتعامل المواطنون مع هذه المنظمات وبالتالي بعدم إحراج الحكومة أمام المنظمات الدولية أو الرأي العام عبر وسائل الإعلام وهو الأمر الذي أثر علي صورة هذه المؤسسات أمام المواطنين وأضعف عملية اللجوء إليها من جانب المواطنين وذلك كان بسبب الحملات التي تشن من حين إلي آخر ضد المنظمات الحقوقية والاتهامات المختلفة التي توجه لها مثل تلقي أموال من الخارج أو الضغط علي مصر وغيرها من الادعاءات الباطلة التي أثرت علي مصداقية المنظمات أمام المواطن العادي وقلل من الشكاوي المتجهة إليها موضحا أن المجلس يعمل من أجل تحسين هذه الصورة. ورد بركات علي اتهام اللجنة بالضعف بقوله: إن اللجنة استطاعت حل الكثير من المشاكل للناس بدليل تزايد اللجوء إليها موضحا أن المجلس يتحرك في حدود اختصاصه القانوني كمجلس استشاري لا يملك صلاحيات تنفيذية من أجل فرض حلول علي الأجهزة التنفيذية مؤكدا أنه حقق نجاحا في ظل هذا المقياس والدليل علي ذلك إقبال المواطنين علي الشكوي لمكاتب المجلس في محافظات الصعيد. وأكد أحمد سميح مدير مركز أندلس لدراسات التسامح أن المواطنين في مصر لم يشعروا بمعني كلمة حكومة كما أنهم يدركون أن الحكومة غير قادرة علي تحقيق احتياجاتهم الأساسية فكيف يمكنها أن تحل مشاكلهم. وأضاف أنه من المعروف أنه منذ ثورة يوليو تمحور النظام السياسي حول شخص الرئيس حيث درج الجميع علي أن الرئيس هو صاحب الكلمة العليا والذي يسعي الجميع للاستجابة لمطالبه، كما أثبتت التجربة التاريخية أن القضية التي يتدخل فيها الرئيس بنفسه يتم حلها لصالح المواطن وهو ما حدث عندما تم إلغاء أحكام الحبس ضد الصحفيين وأيضا تدخله لحل أزمة إضراب الضرائب العقارية ثم الحديث حاليا عن تدخله لحل أزمة خبراء العدل هذه القضايا كلها يتابعها، وهو شعب ذكي ويفهم أنه بلجوئه للرئيس يقصر علي نفسه المسافات والمواطنون يذهبون في النهاية للرئيس لأنه الشخص القادر علي حل مشاكلهم. وحتي المنظمات الحقوقية ترسل للرئيس خطابات استغاثة وشكاوي من أجل تدخله لحلها بعدما تغلق الحكومة كل أبواب الحل.. ويؤكد سميح أن هذا الأمر لا يرتبط بحكومة نظيف وحدها مشيرا إلي أن هذا الأمر يمتد لحكومات كثيرة سابقة غابت عنها ثقافة التواصل مع الناس وحلها. يقول ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماه: في تقديري أن أكثر الوزارات استجابة للشكاوي هو ديوان رئاسة الجمهورية يليه وزارة الداخلية يليها وزارة العدل وهذا فيما يتعلق بشكاوي الانتهاك السريع وهذه الجهات الثلاث هي أيضا الأسرع في الاستجابة للشكاوي. وهذا طبعا لأسباب فسرعة استجابة ديوان رئاسة الجمهورية لها جذور تاريخية في نظام الحكم المصري منذ ما قبل الملك وهي أبرز آلية مباشرة ما بين رئاسة الجمهورية أو القصر الملكي وبين المواطنين وهي آلية لا يجب أن تشوبها أي شائبة فرئاسة الجمهورية تستفيد من هذه الشكاوي من جانبين الأول أنها تشعر المواطن بأنها علي علم بهمومه وثانيا أنها تشعر الوزارة أن مشاكل المواطنين لديهم تصل للرئاسة وهذا ليس له أي علاقة باحترام المواطنين وحل مشاكلهم فعليا. يقول: فيما يتعلق بوزارة الداخلية وسرعتها في الرد فتعود فلسفتها إلي مساعدة الوزارة علي بسط نفوذها وفرض سيطرتها علي الأمن لأنها الوزارة التي تمتلك قوة شديدة تستخدمها كثيرا ضد المواطنين دون مراعاة للحقوق والحريات مما يجعل ضابط الشرطة يعمل في مناخ يجعله أكثر انفلاتا ضد المواطنين ولذا فجهاز التفتيش بالوزارة يرد علي المشكلات سريعا هو نوع من تهدئة المواطن من ناحية ضد انتهاكات الشرطة ومحاولة لمنع ضباط الشرطة من ارتكاب جرائم أكبر إذا ما شعروا باختفاء التحقيق الداخلي. ويري أن الوضع في وزارة العدل لا يفرق كثيرا عنه في الرئاسة والداخلية وأنه يمتاز عنهما في أنه يجري تحقيقات مع قضاة دون شكاوي، فالوزارة لديها جهاز تفتيش قضائي يقوم بعمل تفتيش بصورة دورية ويوقع عقوبات قاسية علي القضاة وهذا الجهاز له جانب إيجابي هو أن التفتيش الدوري الدائم دون حاجة إلي شكاوي يؤدي إلي تطهير المرفق القضائي من الفساد بصورة سريعة ومنجزة، لذلك نجد أن القضاء هو القطاع الذي به أقل نسبة فساد في مصر. عماد رمضان مدير المعهد الديمقراطي المصري، يقول: ابتداء الوزارة الأكثر استجابة لشكاوي حقوق الإنسان لا يعني أنها الوزارة الأفضل ويقول: لابد أن نؤكد أن مسألة تقديم الشكاوي للوزارات ومدي استجابة الوزارات لهذه الشكاوي مسألة نسبية فعدد الشكاوي يتفاوت بين وزارة وأخري وكذلك ردود الوزارات وتعاطفها مع هذه الشكاوي أيضا متفاوتة ولا يعني علي الإطلاق أن الوزارة التي تستجيب لعدد أكبر من الشكاوي هي وزارة أفضل من الأقل استجابة وإنما في أحيان كثيرة يكون معناه أن هذه الوزارة هي الأسوأ لأن بها العديد من المشاكل والتجاوزات ضد المواطنين. وأكد رمضان أن هناك تباينا واضحا في تعامل الوزارات مع شكاوي ومطالب المنظمات الحقوقية وأرجع ذلك لعدة أمور منها نوعية الشكوي والموضوع الذي تتحدث عنه وثانيا الجهة التي تتقدم بها وثالثا شخصية الوزير القائم علي الوزارة رابعا مدي بيروقراطية موظفي ومسئولي الوزارة والثقافة السائدة لديهم. اختتم رمضان حديثه بالتأكيد علي أن ميراث الحكم الشمولي وحكم الفرد في مصر لعقود طويلة ونقص ثقافة حقوق الإنسان لدي المجتمع عموما والمسئولبين بصورة خاصة هو ما يعيق وجود تواصل واضح بين منظمات المجتمع المدني وما تتقدم به من شكاوي للمواطنين وبين الحكومة ووزارتها المختلفة، وقال مع التأكيد مرة أخري علي أن هناك تفاوتا في حجم استجابة الوزارات واهتمامها بالشكاوي فإنا نستطيع الجزم بأن كل الوزارات سيئة في هذا الشأن مهما كانت درجة استجابتها. ويري إيهاب سلام المحامي والناشط الحقوقي أنه لا يمكن الجزم بأن هناك وزارة كاملة أو هيئة كاملة أكثر استجابة للشكاوي الحقوقية أو أقل استجابة وإنما الأمر يتوقف علي قطاعات أصغر من ذلك. يقول: أحيانا يتوقف الأمر وحجج الاستجابة علي نوع القضية أو الشكوي فمنذ سنوات كانت قضية التعذيب لا ينظر إليها إطلاقا مهما فعلت المؤسسات وهذا تغير جزئيا الآن ونفس الأمر حدث بالنسبة لغلق السجون أمام الزيارات وبعد ذلك بدأنا نقوم بإقامة دعاوي لطلب الزيارة وعندما ترفض إدارة السجن الزيارة تهدد وأحيانا تتخذ فعلا بإقامة جنحة عدم تنفيذ هذا الحكم القضائي فتخضع إدارة السجون وترد علينا وتفتح السجن للزيارة. يؤكد أن هناك بعض الوزارات عليها ضغط كبير مثل وزارة التضامن الاجتماعي في مشكلة مثل رغيف الخبز فهي دائما ما تسارع بالرد علي الشكاوي خوفا من اتهامها بالإهمال، وهي وزارة موكل لها أمور حياتية يومية تخص كل المواطنين. يؤكد سلام أن هناك تغييرا ملموسا يمثل نقلة إيجابية في تعامل الحكومة عموما مع المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية خلال السنوات الأخيرة وإن كانت هذه النقلة غير كافية وبعيدة عن المطالب الحقوقية وعن الوضع الذي يجب أن تكون عليه الأمور إلا أنها تمثل أمرا إيجابيا يمكن البناء عليه والاستمرار في دعمه بمزيد من العمل الحقوقي الجاد والمستمر للوصول للمستوي المطلوب.