ماذا حدث يوم الثلاثاء الرابع عشر من الشهر الجاري في البورصة المصرية؟ لو رحنا نستقريء ما حدث من خلال الاعلام فسوف نجد حديثاً عن انهيار وحديثاً عن يوم الثلاثاء الاسود وحديثاً آخر عكس ذلك: ان الامور عادية وانه مجرد حركات تصحيح.. وما بين التهويل والتهوين احتار الناس ولم يجدوا اجابة شافية عما حدث واسبابه ومدي قابليته للتكرار.. وقبل ان نشرع في وضع اجابات لمثل هذه الاسئلة علينا ان نضع الاجابات لبعض الحقائق التي تحكم التعامل في البورصات أياًّ كان موقعها وايا كان مكانها.. 1- الحقيقة الاولي:- ان البورصة سوق تتحدد الاسعار فيه للبضاعة المتداولة (الاوراق المالية) وفقا لآليات العرض والطلب. 1- الحقيقة الثانية:- ان التعامل في البورصة يحمل بالضرورة مستوي من المخاطر يرتفع وينخفض بفعل عوامل عديدة منها طبيعة السوق وحجمه وعمقه ونوعية المتعاملين فيه ومستوي الاداء الاقتصادي سواء علي مستوي الشركات او القطاعات او الاقتصاد الكلي.. وان ادارة تلك المخاطر تحتاج الي دراية وخبرة حتي يمكن الحد منها الي القدر المقبول والمعقول وتلك حرفة في ذاتها لايستطيع ان يقوم بها غير المتخصص في هذا المجال واهم ادواتها بالنسبة لاي مستثمر امران.. الامر الاول:- الا يضع كل مدخراته وامواله في البورصة. الامر الثاني:- ان مايستثمره في البورصة يجب ان يكون في عدة اوراق منتقاة او ما يطلق عليه المحفظة. 3- الحقيقة الثالثة:- ان البورصة مجال للاستثمار كما أنها ايضا مجال للمضاربة ولكن المضاربة تحمل معها مخاطرها وتحتاج الي من يستطيع ان يدير هذه المخاطر وان يتحمل عواقبها ربحا او خسارة ومن هنا فالأمر المنطقي ان من لايستطيع ان يقوم بذلك بنفسه ويتعامل مباشرة في البورصة عليه ان يلجأ الي صناديق الاستثمار او شركات علي درجة عالية من الكفاءة والنزاهة.. 4- الحقيقة الرابعة:- ان البورصة - اي بورصة- يمكن التلاعب فيها ويمكن التأثير علي الاسعار الخاصة ببعض البضاعة المطروحة فيها او حتي بكل هذه البضاعة.. وذلك من خلال ادوات عديدة غير انه يتم معالجة هذا الامر من خلال السلطات الرقابية ممثلة في هيئة سوق المال ومن خلال آليات تكفل الشفافية الكاملة ومن خلال مواجهة ما يعرف INSIDER INFORMATION فضلا عن نشر ثقافة الاستثمار في البورصة وضبط المعلومات بها بما في ذلك تناول الاعلام لقضايا البورصة. 5- الحقيقة الخامسة:- ان اسعار الاوراق المالية في البورصة يفترض انها تعكس الاداء المالي للشركات ولكن هذا ليس شرطا دائما فقد ترتفع أسعار بعض الاوراق المالية لبعض الشركات رغم ان أداءها المالي لا يبرر ذلك بسبب عوامل اخري خارجية مثل المنافسة وغيرها.. تلك حقائق خمس يجب ان تشكل ثقافة التعامل في البورصة ومعها اردنا ان نعرض لها قبل ان نفهم ماذا حدث يوم الثلاثاء.. لو رجعنا قليلا حتي بداية يوليو 2005 حيث شهدت البورصة لدينا تحسنا ملحوظا في مستوي الربحية لأسباب تتعلق بأداء الاقتصاد الكلي واستقرار سعر الصرف وحرية تداول العملات الاجنبية.. فضلا عن زيادة فائض السيولة في الدول الخليجية واقبال المستثمرين الاجانب وصناديق الاستثمار الاجنبية وكذلك اتجاه الفوائد علي الفائدة في البنوك للانخفاض، كل تلك العوامل دفعت الي زيادة حجم المعاملات في البورصة فتصاعد من حوالي 200 مليون جنيه في اليوم حتي وصل في بعض الايام الي 2 مليار جنيه ومن حوالي 7 الاف عملية في اليوم الي 30 الف عملية في اليوم... وكان طبيعيا ان ترتفع الاسعار مع الاقبال الذي شكل زيادة في الطلب حتي وصل هذا الارتفاع الي معدلات قياسية الا انه اعتبارا من يناير 2006 كان طبيعيا بعد تلك الارتفاعات في الاسعار ان تبدأ حركة تصحيح وذلك بفعل عدة عوامل لعل من اهمها: الدراسات التي اجراها بعض المستثمرين والتي تبين لهم من خلالها ان الاسعار بلغت مداها في الارتفاع وأنه لابد ان تشهد الفترة القادمة موجة من الانخفاض وهذا امر طبيعي وبالتالي بدأت موجة من البيع ادي الي تأكيدها الاداء المرتبك في بعض البورصات لا سيما في المملكة العربية السعودية والذي اضطر بعض المستثمرين لبيع اوراقهم المالية في الاسواق الخارجية وتسييلها لسداد مديونيتهم في البورصة السعودية تجنبا لخسائر اكبر يمكن ان تحيق بهم في تلك السوق اذا لم يسددوا تلك المديونية وقامت البنوك ببيع اسهمهم فيها في وقت كانت فيه الاسعار تنخفض بشكل ملحوظ... هذا ماحدث يوم الثلاثاء.. موجة من البيع لم تكن كبيرة ادت الي زيادة المعروض عن حجم الطلب القائم فانخفضت الاسعار بنحو 6،4% ولم تكن المشكلة هنا ولكن المشكلة تمثلت في الاثر الذي احدثه ذلك لدي المستثمرين حيث حدثت موجة بيع عشوائي في الساعة الاولي. علي وجه الخصوص الامر الذي ادي الي هذا الانخفاض غير المبرر.. ذلك انه لم يحدث اقتصاديا او سياسيا ما يمكن ان يبرر ذلك الانخفاض وسرعان ما ادرك السوق الامر وحدثت حركة تصحيح اخري حيث اقبل المستثمرون علي الشراء فارتفعت الاسعار بنحو 7،5% يوم الخميس.. هذا ماحدث بكل امانة في البورصة وما حدث لنا فهو درس يجب ان نتوقف عنده ونتعلم منه لكي نُفعل من ادوات الرقابة ولكي نحسن من آليات نشر ثقافة الاستثمار في البورصة ولكي نتجه نحو مزيد من الشفافية وكثير من التوعية وان ننصح صغار المستثمرين بأن المضاربة كما قد تسعد عند جني الارباح فإنها تحزن عند تحمل الخسائر وهذه قواعد اللعبة علينا ان نعيها وان نضع صوب اعيننا الحقائق الخمس التي بدأنا بها....