لا يكفي أن نحول الاحتفال بعيد الأم غدا إلي مجرد تقديم الهدايا لست الحبايب ولكن لابد أن تكون هناك وقفة مع النفس لإعادة الاعتبار للأم المصرية التي أدت عوامل عديدة أفرزها مناخ مادي سيئ وسلوكيات غريبة عن قيمنا.. إلي محاولة تهميش دورها في التربية والرعاية وحتي التعليم والتثقيف. فقد أصبحت معظم الامهات الآن خاصة في المدن بل وفي أكثر الأماكن تحضرا رمزا تاريخيا "أو بركة" لاستكمال الديكور العائلي "والبرستيج" الاجتماعي بعد أن تحولت باسم المدنية إلي خادمة بأجر في المنازل أو مربية أطفال أو راعية للكبار. الاسباب يمكن اجمالها في تغيير المنظومة القيمية والاخلاقية في مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة مقارنة مثلا بمرحلة الستينات رغم "الصحوة الدينية" في العقود الثلاثة الماضية والتي أدت إلي تباين ومفارقات بين أسر متحفظة ومتشددة تعلي من قيمة الاسرة وتكاد تقدس الأم وبين أسر أخري.. متفتحة ومتحضرة "وفري" حولت العلاقة بين الأم وأولادها إلي مصالح أحيانا وسلطوية أحيانا أخري. ففي الأسر الأولي تولت الأم دور الراعية والهادية والناصحة أما في الثانية فتحولت الي رقيبة احيانا والي متسلطة -حسب رأي اولادها- احيانا اخري ومهمشة في بعض الأحيان خاصة بعد ان تنتهي من تربية الاولاد وتزويجهم، بل قد يكون توصيف وظيفة الام هنا بشكل دقيق هي "دادة للأحفاد" او حارسة المنزل حتي يعود الاباء والامهات من العمل. وابرز الاسباب التي ادت الي تهميش دور الام هو طغيان الآلة الاعلامية التي جعلت "الترفيه" هو الاساس في المادة المرئية والمسموعة المقدمة، فنجد معظم البرامج والدراما التليفزيونية والافلام السينمائية تحمل في طياتها ضرب في اساس الاسرة المتين وتسطيح دور الام والاب وتحويل "ست الحبايب" الي مجرد رقيب غير مرغوب فيه يمارس سلطاته وسطوته علي الابناء للحد من حريتهم ومنعهم من مخالطة اصدقاء السوء وكذلك الخروج والتنزه واقامة علاقات الصداقة بين الجنسين اي باختصار تصوير الام في هذه المرحلة علي انها تحرم ابناءها من المتعة وتتدخل باستمرار في شئونهم، وبالطبع هذا ناتج من البرامج التليفزيونية خاصة المقلدة من الغرب وفرض مسلسلات وافلام اجنبية تستهوي المراهقين والذين يعتقدون ان النمط الغربي واعلاء قيمة الحرية هو الانسب لهم في هذه السن بعيداً عن العقد و"الكلاكيع" والتخلف والتزمت الذي تمارسه الأم، فأصبحت الأم عبئا علي الأبناء في بعض الأحيان ومكروهة أحياناً أخري وعمق هذا الشعور "السموات المفتوحة" و"دخول الدش" في كل بيت واستخدام الإنترنت بلا حدود وسيادة ثقافة "الكافي شوب" وانترنت كافيه، واعتقاد البعض أن اعتمادهم علي أنفسهم بعد البلوغ علي الطريقة الغربية هو الأنسب لهم. وأيضاً النظام التعليمي الحالي الذي تكاد تختفي فيه شخصية المدرس أو المدرسة وتطاول بعض التلاميذ والطلاب علي مدرسيهم وسيادة نمط من التعامل غير الرشيد حتي بين الطلاب والذين يتفاخرون بعصيانهم أو مخالفتهم أو التريقة أحياناً علي أمهاتهم، وهذا النظام جعل النشء يترعرعون علي التقليل من شأن الأسرة واحتكار التقاليد والعقوق وتهميش دور الأم دون احترام أو وفاء أو حتي عرفان بالجميل. سبب آخر جعل دور الأم في بعض الأحيان يختفي أو يتقلص وهو "إفراط" الأم في العمل والغياب عن المنزل وظهور ما يعرف "بأطفال المفاتيح" والذين تترك لهم أمهاتهم المفاتيح عند الجيران حين يعودون من المدرسة، ويتصرفون بمفردهم في المنزل حتي تعود الأم من عملها بل منهم من قضي وهو رضيع وقتاً طويلاً في الحضانات الملحقة بالشركات والمصانع وغيرها من أماكن العمل انتظاراً للأم حتي تفرغ من عملها، وقد تكون الظروف الاقتصادية الصعبة سبباً في ذلك ولكن هذا أدي إلي ما يشبه الفجوة بين الأم والأولاد. وهنا لابد أن أقدم اسمي تحياتي وتقديري ومحبتي لأمي التي أفنت نفسها في رعايتي أنا وأخوتي الخمسة خاصة بعد وفاة والدي، وقد أشعر فعلا باليتم الحقيقي لو فقدتها.. متعك الله بالصحة وطول العمر يا أماه يا أغلي ما لي في الوجود..