بالرغم من عاداتنا وقيمنا التى حفرها الأجداد والآباء فى الأبناء، والتى تغرس حرمة الدم فى النفوس، نجد الواقع المصرى تسيطر عليه ظاهرة غريبة علينا، تتمثل فى ازدياد نسبة العنف وسفك الدماء والاغتصاب والسطو المسلح وغيرها من الجرائم البشعة، التى شهدها الشارع المصرى خلال الفترة الماضية، والتى كان آخرها قتل فتاة بالشرقية لعاطل، قام بخطفها ومحاولة اغتصابها، بعد أن رفضت خطبته لسوء سلوكه. بنفس البشاعة قام شخص بقتل خطيبته وأختها ووالدتها ذبحاً بالسكين، وآخر قام بقتل أخوين بدافع الانتقام، بدعوى أنهما يمنعانه من الوقوف مع فتاة فى شارع مظلم، وفى القاهرة والإسكندرية كانت حادثتا السطو المسلح على محلات الذهب وغيرها من الحوادث التى عكست متغيرات جديدة على الشارع المصرى. وفى دراسة بعنوان الأمن الاجتماعى المفقود فى الشارع المصرى، رصد الدكتور محمد صادق أستاذ الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، العديد من الوقائع الاجتماعية بشوارع محافظتى القاهرة والجيزة، وردود أفعال القائمين بها والمتابعين لها، والتى تؤكد فى مجموعها انعدام الأمن الاجتماعى فى العلاقات السائدة بين المصريين، وانعدام الشهامة والشفقة الاجتماعية، التى كانت من أهم مميزات المجتمع المصرى سابقاً. كما تؤكد الدراسة على أن السباب العلنى شىء اعتاد عليه الناس، بصورة يومية وأن هناك انفلاتاً أخلاقياً يظهر بوضوح فى معاكسات الشباب للفتيات، ووصفت الدراسة التردى فى قيم المجتمع بالتكالب على الحياة، والرغبة فى الاستحواذ على كل شىء وقد ترتب على ذلك مشاجرات حامية وتأييد كاذب للقوى من الآخرين دون إحساس بالضعيف المقهور. بدأ العنف يأخذ اتجاهاً واضحاً فى الشارع المصرى، وهو ما أكدته الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع، واعتبرته رد فعل طبيعى للعديد من المتغيرات والأزمات التى يمر بها المصريون بمختلف المراحل العمرية والطبقية أيضاً، وأهمها تهميش دور الأسرة المصرية فى التربية والتوجيه وتفككها وانتشار العنف الأسرى الذى انتقل إلى عنف بالشارع. وتشير الدكتور سامية إلى عوامل انتشار هذه الظاهرة التى كمنت فى مفاهيم العنف المكتسبة، وأصبحت متوطنة بالشارع، فقدمت سلوكيات البلطجة. ومن جانبه، يرى اللواء نشأت الهلالى مدير أكاديمية مبارك للأمن سابقاً، أن ما يحدث مجرد حالات فردية ولا تعبر عن الانفلات الأمنى فى الشارع المصرى، مشيراً إلى أن العنف لم يتطور بشكل مخيف كما هو فى العديد من الدول الأوربية مثلاً، معللاً ذلك بأن الأمن مازال يسيطر على الشارع ويبعث الأمان بين المواطنين، ولاعتباره ظاهرة لابد أن توجد الدراسات البحثية الدقيقة التى تشير إلى ذلك دون تهويل، فما يجعل كل واقعة تأخذ أكثر من حقها، هو التركيز الإعلامى دون وعى بخطورة ذلك. وتضيف الدكتورة أمنة نصير عضو مجمع البحوث الإسلامية سابقاً بجامعة الأزهر، أن غياب الوازع الدينى والتربية السليمة هو السبب الرئيسى وراء ارتكاب جميع الجرائم فى الشارع المصرى وهو ما أكدته، مشيرة إلى أن هناك حالة من الانفلات الأخلاقى غير العادية لذلك يجب على الأسرة ووسائل الإعلام، التكاتف وبذل الجهد فى تقديم مادة إعلامية ذات قيمة تحض على الفضيلة والأخلاق الحميدة بين الشباب والأبناء، بدلاً من انتشار القنوات الفضائية التى تروج للفسق والفجور، وهو ما يساعد الشباب بجميع مستوياتهم على ارتكاب الجرائم والابتذال فى الشارع المصرى.