ذكر تقرير اللجنة البريطانية للمرأة والعمل الذي صدر يوم 27 فبراير الماضي أنه توجد فجوة حقيقية بين أجور الرجال والنساء في بريطانيا.. وقال التقرير إن أجر المرأة العاملة كل الوقت في الساعة يقل بمقدار 17% عن أجر الرجل ولكنها أرجعت ذلك بصفة أساسية إلي سوء اختيار النساء لنوعية العمل التي يقومون بها خصوصا بعد الإنجاب واضطرارهن للقيام بأعمال ذات أجر أقل. وقبل ذلك بأيام أصدرت المفوضية الأوروبية تقريرا عن نفس القضية أكدت فيه أن أجر المرأة يقل بنسبة 15% عن أجر الرجل علي المستوي الأوروبي وقالت إن هذه الفجوة في أمريكا تصل إلي 20% لصالح الرجل. ويقول تقرير اللجنة البريطانية للمرأة والعمل إن التفرقة بين الجنسين تبدأ من سنوات الدراسة حيث يدرس الصبيان والبنات مقررات مختلفة كما أن المقررات التي يدرسها الذكور تقودهم أو تؤهلهم إلي الأعمال ذات الأجر الأعلي.. ونتيجة لذلك فإن أجر الفتاة في بداية حياتها العملية لا يتجاوز ال 91% من أجر الرجل علي الرغم من أن تأهيل الفتيات حاليا صار أفضل مما كان عليه في الماضي. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هذه الفجوة بين أجر المرأة وأجر الرجل تزداد اتساعا بمضي الوقت لأسباب بيولوجية محضة وهي الأمومة.. ويذكر معهد الدراسات المالية أن أجر المرأة الأم التي لديها أطفال لا يتجاوز عادة ال 67% من أجر الرجل العائل أيضا، وذكر معهد أبحاث السياسة العامة أن المرأة متوسطة المهارة التي تنجب طفلا وهي في الرابعة والعشرين من عمرها تخسر خلال حياتها الوظيفية نحو 564 ألف جنيه استرليني "981 ألف دولار" مقارنة بزميلتها التي تظل دون إنجاب. وتري حكومة حزب العمال أن رعاية الطفل يجب أن تكون سببا ضروريا لإلغاء فجوة الأجور بين الرجال والنساء.. كما تسير حكومة حزب المحافظين علي نفس الدرب حتي تظهر بمظهر عصري صديق لقضايا المرأة. ولذلك فقد أعلن جورج اوسيورن وزير الخزانة في حكومة الظل يوم 27 فبراير أن حزب المحافظين سيقدم دعما أكبر لرعاية الأطفال عما تقدمه حكومة العمال الحالية. وقال اوسيورن إن الحكومة لا ينبغي أن تتدخل في قرار المرأة بالاختيار بين الاستمرار في العمل أو المكوث في البيت لرعاية أطفالها والعمل فقط لبعض الوقت.. وقد يكون الرجل علي حق ولكن معظم النساء البريطانيات يفضلن رعاية الأطفال والعمل بعض الوقت فقط عقب الإنجاب حتي لا يودعن أطفالهن طوال الوقت في الحضانات كما تفعل النساء في بلدان أخري. وتشير الأرقام إلي أن نحو ثلثي نساء بريطانيا اللاتي لديهن أطفال أقل من 11 سنة يعملن بعض الوقت فقط.. والحقيقة أن المرأة في هذه الحالة تواجه اختيارات صعبة مثل الانتقال إلي عمل أقل أجرا وأدني مهارة أو ربما ترك العمل كليا لرعاية الأطفال. وتقول مجلة الإيكونوميست إنه يستحيل بعد ذلك تدارك الاَثار المترتبة لتفضيل المرأة واجبها كأم علي أجرها.. فعندما يكبر الأطفال وتعود المرأة إلي العمل يكون أجرها قد صار 72% فقط من أجر زميلها الرجل ولكنها لا تسترد هذا الفارق أبدا وتظل الفجوة قائمة بين أجريهما حتي بلوغ سن التقاعد. وهناك من يقول إننا لا يجب إن نحمي الناس من نتائج اختياراتهم.. ولكن العاملات لا يخترن الأمومة كنوع من الترف وإنما لخدمة المجتمع وتحقيق التماسك الاجتماعي.. أضف إلي ذلك أن ارتفاع معدلات الطلاق يعني اعتماد الأم والأطفال بنسبة أكبر علي أجرها كامرأة عاملة أو علي الدعم المقدم من الدولة، ولاشك أن انخفاض أجر المرأة في مثل هذه الحالات يزيد من انتشار الفقر بين الأطفال.. والأمر المؤكد أن الأسرة التي يعمل فيها الأب والأم معا تكون أقل تعرضا للصدمات المالية. وقد انتقد تقرير اللجنة البريطانية للمرأة والعمل نظام التعليم في بريطانيا لأنه لا ينبه التلميذات بشكل مبكر عن مشاكل عدم المساواة في الأجر عند التخرج.. كما أنه يفرض علي البنات أحيانا التدريب علي مهن لا تروق لهن مثل مهن الممرضات والحلاقين. وقد طالب التقرير بعدم إجبار المرأة علي تغيير عملها عندما تطلب العمل لبعض الوقت واعتبر ذلك شرطا مهما لسد الفجوة في الأجر بين المرأة والرجل في بريطانيا. وقال التقرير إن 20% من نساء بريطانيا يطلبن العمل بعض الوقت فقط لرعاية الأطفال وأن 10% من الرجال يفعلون الشيء نفسه وهي نسبة ليست ضئيلة وتستوجب الاهتمام إذا أردنا سد هذه الفجوة بين أجر المرأة وأجر الرجل.