سيدة متأنقة ملابسها تكشف عن جسدها أكثر مما تستر تدخل بخطوات وطريقة سير اشبه بالغواني لتجلس علي كرسي امام مكتب مدير فرع البنك وتقوم فور جلوسها بوضع ساق فوق الاخري فتكشف عن كامل منطقة مافوق الركبة وتنتقل الكاميرا بين الجزء المكشوف ووجه مدير الفرع ونظرات الاغراء في عيني السيدة المتأنقة وفورا يوقع مدير الفرع علي قرض بملايين الجنيهات وتقوم السيدة من فورها بصرفه والخروج بسلامة الله من الفرع... مشهد سينمائي تكرر كثيرا في افلامنا المصرية وفي افلام المقاولات علي وجه الخصوص. وكنا دائما ما نضحك مشفقين علي جهل السيناريست بأصول وقواعد منح القروض والتسهيلات الائتمانية والتي جعلته يبسط اجراءات منح تلك القروض والتسهيلات في هذا المشهد والذي لايستغرق دقائق تعد علي اصابع اليد الواحدة. وتلك المشاهد لم تكن بذات اهمية فهي قد بدأت خلال النصف الاخير من سبعينيات القرن الماضي مع الانفتاح الاقتصادي ومازالت مستمرة. بداية اضرام النار الحقيقية والتي علي ضوئها شاهد الجميع ظاهرة التعثر كانت في تصريح ادلي به رئيس احد البنوك الخاصة لكاتب له عمود اقتصادي باحدي الصحف القومية اكد فيه ان هناك عملاء كبار حصلوا علي مبالغ مالية كبيرة من البنوك حولوها لعملات اجنبية وهربوها خارج البلاد وكان هذا التصريح عام 2000. بعدها مباشرة قام الاعلام المصري بتدشين ما اسموه بظاهرة التعثر المصرفي وتناولها بشكل موسع اساء وبشكل كبير لسمعة الجهاز المصرفي المصري. وما لايعرفه اغلب العامة ان القروض المتعثرة وبشكل يعد ظاهرة تأتي دائما مواكبة لكساد السوق وهي ظاهرة عالمية فكساد السوق يجد معه الجميع صعوبات في سداد ماعليهم من التزامات وقد بدأ ذلك يحدث لدينا في النصف الاخير من العقد الاخير للقرن الماضي وبدأت البنوك المصرية في إبطاء معدلات النمو بالتوظيف لدي العملاء وبزيادة حجم المخصصات المكونة لمقابلة القروض المتعثرة. وبدأنا نشهد ظواهر لم تكن مألوفة ساهمت في زيادة لنسبة القروض المتعثرة بجميع بنوك مصر فظاهرة حرق الاسعار من اجل الحصول علي سيولة والتي كان يقوم بها التجار ببيع بضائعهم بأسعار تقل عن نصف ثمنها قد جعلت القروض والتسهيلات الائتمانية محفوفة بالمخاطر وهناك مئات الملايين من القروض والتسهيلات التي حصل عيها التجار مقابل ضمان بضائع كانت مخزنة بمخازن مغلقة وتحت سيطرة البنوك ضاعت لعدم القدرة علي بيع البضائع فتلفت من طول فترة التخزين. وكم كبير من الكمبيالات المرتدة التي ارتفعت معها حالات الافلاس وكم كبير من الشيكات المرتدة بجميع انواعها سواء كانت شيكات بنكية او خطية او مسطرة زادت معها قضايا الشيكات بدون رصيد وضجت السجون بنزلائها من التجار الكبار والصغار والمواطنين لعدم قدرتهم علي سداد التزاماتهم المضمونة بشيكات فأصبحت تلك الادوات لاتشكل اي شيء بالسوق بل ان خطابات الضمان في عمليات التنازلات للمقاولين شكلت خطورة علي اموال البنوك لعدم قدرة الحكومة علي سداد التزاماتها للمقاولين. كل هذا اربك الجميع وبدأت الاتهامات لرجال البنوك من كل اتجاة وخصوصا من جنرالات المقاهي والفضائيات فتوقف مسئولو البنوك عن علاج الظاهرة خوفا علي انفسهم وبات عقد تسوية مرضية بين بنك واحد عملائه ضربا من الخيال وتوقف منح الائتمان تماما بأغلب البنوك والتي بدأت في استثمار فوائضها المالية في المضومون (اذون خزانة وسندات) مما ادي لتفاقم كساد السوق. وقد كانت تأثيرات القروض المتعثرة علي كل من البنوك والعملاء والاقتصاد القومي عنيفه فقد زادت المراكز المالية للبنوك بصورة لاتعبر عن الحقيقة وزيادة حجم المخصصات وتحمليها علي الارباح اثر سلبا علي توزيعات الارباح علي المساهمين وتأثر العملاء بما خلفته القروض المتعثرة من سمعة سيئة في السوق واجراءات قانونية اثرت سلبا علي انشطتهم. كما ان القروض المتعثرة بما تمثله من اموال عاطلة ظهرت تأثيراتها السلبية علي الاقتصاد في تجميد الموارد القابلة للتوظيف مما يشكل فقدا لفرص عمل زادت معها ازمة البطالة كما ان حرمان المشروعات الاقتصادية القائمة وكذا المزمع انشاؤها من تلك الموارد يحد من نمو الناتج القومي ومعدلات النمو الاقصادي. عند هذا الحد بدأت السلطات النقدية في وضع استراتيجية اساسها زيادة حجم المخصصات المكونة للقروض حتي لو ادي الامر لعدم توزيع ارباح علي المساهمين مع ضرورة زيادة رؤوس اموال البنوك طبقا لقواعد قانون البنوك الجديد والذي جاء مواكبا ومعاصرا لما يجري علي الساحة المصرفية العالمية والمحلية من تطورات. كما تم تغيير قيادات الجهاز المصرفي من اجل المضي قدما في عقد التسويات الازمة مع العملاء المتعثرين وعلاج ظاهرة التعثر من جذورها بعد ان توقفت قيادك الجهاز المصرفي تماما بعد الهجمة الاعلامية كما سبق وأن اشرفا عن التدخل للعلاج حفاظا علي الذات. وأخيرا وبعد جهود مضنية اظهرت المراكز المالية المعلنة لبنوك القطاع الخاص اننا فعلا قد عالجنا الظاهرة وبشكل واقعي فهناك تسويات جادة قد عقدت مع العملاء بدأ تأثيرها يظهر واضحا في زيادة معدلات العائد المحصل من التوظيف لدي العملاء كما بدأت البنوك في شطب الديون التي استنفدت معها جميع الاجراءات وذلك للعمل علي خفض نسبة الديون الرديئة للحدود الأمنة وقد قامت 10 بنوك خاصة باستخدام ربع مليار جم من المخصصات المكونة لديها في شطب قروض خلال التسعة اشهر الاولي من عام 2005 كما قامت 5 بنوك قطاع خاص بتحصيل 55 مليون جم من قروض سبق شطبها (اعدامها) فاعدام قرض لايعني عدم تحصيله فاجراءات الشطب تتم بقرار من مجلس ادارة البنك بناء علي دراسات الادارات المعنية ومذكرة من الشئون القانونية تتضمن المبررات التي تدعو لاتخاذ هذا القرار. مع قيد هذه القروض في سجلات احصائية واستمرار متابعة الاجراءات اللازمة بشأنها ويتم الخصم علي المخصص بقيمة ما يتم شطبه من قروض سواء كان لها مخصص او لم يكن باعتبار ان حساب المخصص حساب وعائي وما يتم تحصيله من قروض سبق اعدامها يضاف الي المخصص. لقد بدأت استراتيجية علاج القروض المتعثرة تؤتي اكلها ولابد لنا ان نذكر ان البنوك اليابانية تعرضت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي لنفس الظاهرة وزاد حجم الديون الردئية فيها لتريليون دولار امريكي وقامت البنوك بشطب جزء كبير من تلك الديون لتخفيض نسبتها واستطاعت بسرعة ان تستعيد سمعتها العالمية وهذا نفس ما قامت وتقوم به بنوكنا المصرية حاليا عدا ان وزير المالية قد استقال بسبب هذه المشكلة في اليابان .وتم سجن العديد من العملاء ومسئولي البنوك الصغار في سبيل بقاء المسئولين لدينا في مصر. خبير مصرفي