تذكرت وأنا أشاهد قرعة كأس العالم بألمانيا الأسبوع الماضي حوارا طريفا وعلي قدر من الأهمية والخطورة جمعني مع شخصية رياضية مهمة وعالمية وكان يجاورني في المقعد علي طائرة خطوط لوفتهانزا وأنا متجهة ذات مرة إلي فرانكفورت.. ولأن علاقتي بكرة القدم كعلاقتي بمادة الكيمياء التي كنت أحفظها تفاديا للسقوط، وغالبية معلوماتي عن الكرة سماعية ومن باب العلم بالشيء حتي لا أكون صحفية جاهلة بأكثر لعبة شعبية في العالم، وكذلك شخصيات هذه اللعبة اعرف أسماءهم من المتابعة السطحية لكني أجهل شكلهم. وقد أصُبت بدوار وعرق في أطرافي من فرط خجلي عندما عرفني الشخص المشهور بنفسه بكل تواضع، وحنقت علي نفسي من شدة جهلي.. وتلقي الرجل اعتذاراتي له بكل لطف وخفف من الموقف وهونه علي وأخذ يتجاذب معي أطراف الحديث عن قضايا سياسية عامة، وسألته عن الانتخابات الألمانية وكانت قد بدأت الاستعدادات لها والحملات الدعائية. ولا أتذكر كيف تطرقنا إلي أمر آخر وهو مدي الشفافية والنزاهة التي يتمتع بها أعضاء الفيفا، خاصة ان تسريبات تنشر من حين لآخر عن فساد هذا العضو أو ذاك، واتهامات توجه تحديدا لأعضاء من افريقيا بانهم تقاضوا رشاوي لمساندة ملفات الدول التي تترشح لاحتضان كأس العالم. وأجاب الرجل بصدق شديد ولم ينف الظاهرة، بل لم يقصرها علي أعضاء من جنسيات معينة أو مناطق جغرافية محددة، ورأي أن ذلك يحدث دائما في أي نشاط يمكن أن تتصارع عليه مصالح دول أو مصالح أشخاص، وأعطي الكثير من الامثلة عن شركات عالمية تنشر فضائح عنها من حين لآخر لانها قدمت رشاوي لمسئولين حكوميين للحصول علي صفقة أو لارساء مناقصة، أو لتمرير بضاعة غير مطابقة لمواصفات السلع في الدولة. وقد وجهت له سؤالا، أعجبه بشدة، عن احتمالات "التزوير" خلال القرعة في البطولات الكبيرة مثل كأس العالم أو كأس الأمم الافريقية أو بطولات الاندية والقارات وغيرها، بمعني آخر ما هي إمكانيات ترتيب سحب الكرات بحسابات معينة؟! بحيث تتم مجاملة فريق دولة معينة ليكون في مجموعة أسهل من غيرها. واستعد الرجل للإجابة، بعد أن أعطيته وعدا بعدم البوح بهذه التفاصيل والكشف عن شخصيته.. ولا أدري كيف صدقني، ولكنه قال بالحرف أنه عادة لا يصدق الصحفيين مهما وعدوا، وانه سيفعل هذه المرة لأنه لمس صدقا في عيني..واعتبرتها نوعا من المجاملة أو المعاكسة البريئة. قال سأحكي لك عن آخر أساليب الغش والتحايل في إجراء القرعة ولن أتوقع أن تستمعي لقصة شبيهة..وتابع: يتم وضع الكرة الخاصة بالدولة التي يفترض أن تحصل علي تسهيلات لترتيب وضعها في مجموعة بعينها، في الثلاجة "الديب فريزر" وتصبح بالطبع مجمدة أو مثلجة بحيث يسهل تمييزها بين باقي الكرات، ويتم الاتفاق بين أطراف من الهيئة المنظمة مثلة لتلك الدولة ومن يقوم بالسحب، علي أن يسحب الكرة المقصودة "وهي طبعا المثلجة" في الوقت المقصود ايضا.. وهكذا يكون فريق تلك الدولة قد ضمن وجوده في مجموعة سهلة نسبيا خلال التصفيات ويضمن بالتالي الترشح للدور الموالي. انتهت قصة هذه الشخصية الرياضية الشهيرة، ولا أدري مدي صدقيتها، ولكني أميل إلي تصديقها لأن كل شيء ممكن، في زمن لم تعد فيه رشاوي الشركات والدول أمرا استثنائيا، وانتقل ذلك الي كل مظاهر الحياة بما في ذلك الرياضة. واعترف أني كنت أستهجن النقد الرياضي عندما يكتب عن حكم مباراة، خاصة دولية، بانه كان "قابض" من الفريق المنافس، لأني أبرر هذه الانتقادات بأن الفريق المغلوب دائما ما يسعي انصاره لتحميل خسارته علي أي شيء، إلا علي لعبه أو هفواته وأخطاء لاعبيه ومدربه الفني. ولكني لم أعد استهجن شيئا بعد أن عرفت أن كل شيء وارد حدوثه بما في ذلك التلاعب في القرعة.. ولا اعتقد ان الامر مقصورا علي كرة القدم، قد تكون هي اللعبة التي يدفع من أجلها مبالغ اكبر ومعرضة لعوامل الفساد أكثر من غيرها من اللعبات والرياضات، لكن بالتأكيد فان الفساد اجتاح رياضات أخري. وقد كنت تعرفت خلال سهرة لدي أصدقاء علي معلق رياضي عربي شهير علي قناة ART، ووجهت له نفس السؤال حول إمكانيات التحايل والتلاعب في القرعات، وشراء ذمم الحكام، واكد بدوره أن ذلك ممكن، بل ويمارس في دول عديدة وفي شتي الرياضات. هذه هي بعض الصور من "الشفافية" العالمية المفقودة في الكرة! واعتقد ان الرياضة ليست استثناء ولا يمكن أن تكون كذلك مادامت "ميكروبات" الفساد تتفشي في شتي الانشطة وفي مختلف انحاء العالم. وقد تكون هذه الظاهرة قديمة لكن الجديد أن هذه الملفات اصبحت من السهل ان تكشف ويتم فضحها بفضل وسائل الاعلام والاتصال التي قربت العالم.