جاءت واقعة انتحار غازي كنعان وزير الداخلية السوري في الثاني عشر من الشهر الحالي ليتم استغلالها من قبل كل الاطراف المتربصة بسوريا ابتداء بإدارة بوش مرورا باسرائيل وانتهاء بتيارات لبنانية معارضة لدمشق وامتطي الجميع صهوة اثارة الشكوك حول واقعة الانتحار والباسها ثوبا جديدا يرتكز علي أن الفاعل هو النظام السوري الذي تسبب في موت وزير الداخلية كنعان لانقا نفسه من أي مردود تخلص إليه نتائج تقرير لجنة ميليس. كبش فداء وكأن قدر سوريا ان تكون كبش فداء لاتهامات متلاحقة من قبل ادارة بوش واسرائيل واطراف لبنانية تعزف اليوم نفس النغمة وتكيل الاتهام تلو الاتهام للقيادة السورية في محاولة لاضعاف النظام السوري توطئة لاسقاطه، وجاء انتحار غازي كنعان في مكتبه بطلق ناري في فمه ليزيد من وطأة تطويق سوريا ويزيد من حصارها لاسيما وأن كنعان لم يكن بالانسان العادي وانما كان أحد أركان النظام السوري الأقوياء وكان الحاكم بأمره في لبنان علي مدي عشرين عاما منذ 1982 وحتي سنة ،2002 ومن ثم سرعان ما نشط اتهام جديد يفيد بأن كنعان لم ينتحر وانما نحر انه يكون ضحية نظام ارتأي التضحية ببعض رموزه انقاذا لجسد النظام ككل. من المتهم ومهما كان الأمر سواء انتحر غازي كنعان أم قتل فإن ادارة بوش في كلتا الحالتين تتخذ ما حدث دليل ادانة جديدا للنظام السوري بل وذهب البعض إلي القول بأن موت كنعان يمكن ان يكون استباقا لصفقة كان من الممكن ان تتم بين النظام السوري ولجنة ديتليف ميليس ورغم ان غازي كنعان لم يذكر إسمه تصريحا في ملف تحقيق لجنة ميليس إلا أن اللجنة المذكورة استجوبته ضمن عدد من المسئولين السوريين، وجاء انتحاره ليثير شهية البعض في اقامة علاقة بين رحيله وبين تقرير القاضي الألماني ميليس بل وهناك من اتخذه كدليل علي علاقة سوريا باغتيال الحريري، وان النظام في سوريا ضحي بغازي كنعان وصوره ككبش فداء لانقاذ ما يمكن انقاذه داخل سوريا بعد التحقيق الذي قام به ميليس وان سوريا بذلك اصبحت هي المتهم الأول في القضية. وماذا عن الفصائل الفلسطينية تزامن مع ذلك سيل من الاتهامات الموجهة إلي سوريا عبر ادارة بوش وأطراف لبنانية موالية لها تتهم دمشق بمحاولة ضرب الاستقرار في لبنان بدعوي أنها اثناء وجودها في لبنان قد زرعت خلايا لها هناك وكأنها بذلك قد اتخذت من الفصائل الفلسطينية ادارة لتكون ألعوبة في يدها تستخدمها كورقة لها لافتعال أزمات داخل الدولة اللبنانية ويمضي الاتهام ليسوق فرية جديدة ترتكز علي تسلل عناصر من الجبهة الشعبية في سوريا إلي لبنان علي أساس يقول بأن دمشق تسعي عبر حلفائها الفلسطينيين إلي زعزعة الاستقرار داخل الدولة الجارة وهو اتهام اطلق جزافا علي سوريا وجري توقيته عشية تقديم ميليس تقريره إلي الأمين العام للامم المتحدة في الحادي والعشرين من الشهر الحالي كما هو مقرر. قرار 1559 جاء اتهام سوريا مجدداً بتحريك الفصائل الفلسطينية لاثارة قضية نزع سلاحها من جديد وعلاقة هذا بتقرير ميليس ومدي تنفيذ سوريا للبنود الخاصة بقرار مجلس الأمن 1559 المتعلقة بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية وسلاح حركة حزب الله ولكن ورغم ان الاتهام هنا لا يرتكز علي أساس واضح لاسيما وان سوريا ليست من السذاجة لتثير موضوعات خلافية الآن داخل لبنان تنعكس عليها بالسلب وترفع من نبرة الاتهامات التي ما فتئت أمريكا توجهها إليها، إلا أن ادارة بوش تصر علي حشد كل الذرائع التي تختلقها لتضييق الخناق علي سوريا بهدف الاجهاز عليها في النهاية. طوق النجاة كان طوق النجاة بالنسبة للنظام السوري ينحصر في تبني مشروع للتغيير والاصلاح التدريجي لوقف مسار التدهور المتواصل في المناخ السياسي وهو ما كان يمكن ان يشكل مخرجا لسوريا من الاستعصاء الراهن الذي تحاول أمريكا نسجه حولها، ويرد التساؤل: هل مازال بوسع النظام في سوريا ايجاد صيغة مقبولة للتعامل مع حركة المجتمع المدني للخروج من الجمود بشكل تدريجي وفي اطار سلمي لانقاذ الموقف قبل فوات الآوان خاصة في التربص الأمريكي الحالي بالنظام السوري ومحاولة اسقاطه والحديث المتواصل عن أن هناك أحد خيارين لذلك، الأول خيار عسكري يعتمد علي تسديد ضربات عسكرية موجعة لسوريا تتسبب في اسقاط النظام والثاني يعتمد علي دعم المعارضة السورية وتسليحها لقلب نظام الحكم من الداخل. فرصة سانحة لقد جاء المؤتمر العاشر لحزب البعث الذي عقد في يونيو الماضي بمثابة الفرصة السانحة للقيادة السورية لمراجعة الحسابات والأخذ بمشروع الاصلاح وتطبيقه علي أرض الواقع فهذه هي البداية الوحيدة أمام النظام السوري للخروج من طوق الحصار الذي تفرضه أمريكا والنجاة من سيل الاتهامات التي يلاحق بها ليل نهار من إدارة بوش وتابعيها.